وتروض عرسك بعد ما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم (١)
وواضح فيما أنشدناه من أشعاره أنه كان يعنى باللفظ الجزل الرصين والبناء القوى المحكم، كما كان يعنى بالتدليل والتعليل ودقة القياس.
[٣ - شعراء الزهد]
هذه الصفحة التى صورناها من شعر المجون والزندقة كانت تقابلها صفحة رائعة من شعر الزهد، فقد كانت المساجد مكتظة بالوعاظ والنساك وأهل الحديث والفقه والورع، ومن حولهم العامة، وقد صدقت كثرتهم ربها مخافة وعيده، مؤمنة بأن القيامة موعدها وموقفها مع ذى الجلال وأن العمر وإن طال قصير وأن الدنيا ينبغى أن تكون دار زاد لدار المعاد. وما بنى الوعاظ والنساك من المحدثين يزجرونهم عن التعلق بمتاعها الزائل واضعين نصب أعينهم الموت وتبعات الحياة الموبقة وأن العاقل من عرف أن الناس سفر وعما قليل راحلون فإما عذاب مستديم وإما نعيم مقيم، فأسرع يغتنم بقية أجله بخير عمله مقدما كل ما يستطيع من الباقيات الصالحات.
ويبدو أن كثيرين من القصاص والوعاظ كانوا ما يزالون ينشدون فى وعظهم وقصصهم أبياتا وأشعارا كثيرة منها ما يروونه عن القدماء ممن سبقوهم، ومنها ما ينشئونه إنشاء، فمن ذلك ما يروى عن صالح المرى القاصّ العابد من أنه كان كثيرا ما ينشد فى قصصه ومواعظه: