للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصيدته الزينبية التى تغزل فى مطلعها فيمن تسمى زينب، ثم استرسل يسوق الحكم من مثل قوله:

احذر مصاحبة اللئيم فإنه ... يعدى كما يعدى الصحيح الأجرب

يلقاك يحلف أنه بك واثق ... وإذا توارى عنك فهو العقرب

يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثّعلب

واختر قرينك واصطفيه تفاخرا ... إن القرين إلى المقارن ينسب

واحفظ لسانك واحترس من لفظه ... فالمرء يسلم باللسان ويعطب

والسّرّ فاكتمه ولا تنطق به ... إن الزّجاجة كسرها لا يشعب (١)

ومن تمط هذه القصيدة الحكمية قصيدة له قافية استوعب فيها كثيرا من النصائح الخلقية التهذيبية، وفيها يقول:

المرء يجمع والزمان يفرّق ... ويظل يرقع والخطوب تمزّق

ولأن يعادى عاقلا خير له ... من أن يكون له صديق أحمق

فاربأ بنفسك أن تصادق أحمقا ... إن الصديق على الصديق مصدّق

وزن الكلام إذا نطقت فإنما ... يبدى عقول ذوى العقول المنطق

وعلى هذه الشاكلة تجرى أشعاره فى صورة تقريرية خالية من العاطفة وقلما شفعت بخيال أو تصوير، ولعل ذلك ما جعل شعره يسقط من أيدى الأجيال التالية، إلا قليلا، وتنبّه لذلك الجاحظ، فقال لو أن حكمه كانت مفرقة فى قصائد مختلفة لسارت فى الآفاق «ولكن القصيدة إذا كانت كلها أمثالا لم تسر ولم تجر مجرى النوادر، ومتى لم يخرج السامع من شئ إلى شئ لم يكن لذلك عنده موقع (٢)» على أن كتب الأدب ظلت تحتفظ ببعض أبياته الحكمية وظلت تدور فيها من مثل قوله فى العزاء:

إن يكن ما به أصبت جليلا ... فلفقد العزاء فيه أجلّ


(١) يشعب: يصلح.
(٢) البيان والتبيين ١/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>