نشاوى من الفرحة بهذا النصر لا من خمر ذاقوها، ولكن من نصر تفوق نشوته نشوة الخمر فرحا وسرورا. ويقول:
فبشراكم بهذا الفتح نور ... وبشراكم بما منّ الغفور
به زادت مآثركم علوّا ... وقد عظمت به لكم الأجور
ألا يا أهل سبتة قد أتاكم ... بسيف الله سلطان وقور
إذا ما جاء سبتة فى عشىّ ... تزفّ له إذا كان البكور
ووهران تنادى كل يوم ... متى يأتى الإمام متى يزور
فيهزمكم ويقتلكم ويسبى ... وسيف الحق فى يده ينور (١)
وهو يبشر المولى إسماعيل بأن هذا الفتح نور منّ عليكم به الله الغفور فزاد مآثركم وأمجادكم سموا، وعظم لكم به الأجر والثواب، وكانت سبتة لما تفتح، فشعر بها تهبّ فى وجه الإسبان مهددة لهم بالمولى إسماعيل وما يحمل من سيف الله الذى لا يفلّ أبدا، وكأنما حين يأتيها مساء تزفّ إليه بكورا منكلا بالمحتلين لها من الإسبان وبالمثل وهران وكانوا قد استولوا عليها، تناديه صباح مساء كي يهزمهم ويقتلهم بسيف الله الذى لا يزال يضيء فى يده، ويختم قصيدته بقوله:
أيا مولاى قم وانهض وشمّر ... لأندلس فأنت لها الأمير
وجاهدهم وحاربهم وفرّق ... جموعهم فربّكم النّصير
ولا يمنع بفضل الله منها ... كما قد قيل برّ أو بحور
بقرطبة تنال المجد طرّا ... ويأتى العزّ والملك الكبير
وتصور هذه الأبيات مدى طموح البوعنانى حين رأى فتوح المولى إسماعيل تتوالى فيحثه لا على أخذ سبتة ووهران فحسب، بل أيضا على استرداد الأندلس حيث ينال العز والمجد طرا بعودة قرطبة إلى حمى العرب والعروبة.
٤ -
شعراء الفخر والهجاء
[(أ) الفخر]
الفخر من أغراض الشعر العربى القديمة منذ الجاهلية، وقد ظل حيّا فيه على توالى العصور، والشاعر يفخر فيه بشمائله الرفيعة الفردية من المروءة والكرم والوفاء وما يماثل ذلك وبعصبيته القبلية والقومية وبشجاعته وبسالته الحربية. ونراه على ألسنة شعراء المغرب الأقصى منذ ابن زنباع
(١) ينور: يضيء وينير.