أشعار المتصوفة مخمسا لها ومشطرا كما يتضح فى ديوانه الصوفى أن نراه تارة يتغزل فى بثينة وعلوة وسلمى وزينب وسعاد، وهى كلها رموز للذات الربانية، وتارة ثانية يصف الخمر وساقيها وكأسها وشرابها وحبابها وما تحدث فى روحه من نشوة وفى عقله من شطح. ونراه يهاجم علم الكلام والمتكلمين إذ يدعون إلى ضرورة العلم بالله عن طريق النظر العقلى الفلسفى لا كما يؤمن المتصوفة بأن هذا العلم إنما يستمد من القلب، وشتان بين علم العقل والفلسفة وعلم المحبة القلبية. وله قصيدة بديعة فى الاستغفار من ذنوبه وخطاياه امتدت إلى ٩٢ بيتا تلاها بالصلاة على الرسول الكريم وآله وأصحابه والتابعين وقصيدة ثانية توسل فيها بأسماء الله الحسنى أن يدفع عنه كل شر ويسبغ عليه كل خير، وختمها أيضا بالصلاة على رسول الله وآله وأصحابه، وله فى الرسول غير قصيدة نبوية وغير موشح وقد افتتح موشحا له بقوله:
نور طه المصطفى منه جميع الكائنات ... وبه كان الترقى فى جميع الدّرجات
ونحسّ فى الموشح إيمانه بفكرة الحقيقة المحمدية السارية فى الكون بأسره التى تحفظ عليه كيانه وتصون وجوده، فكل وجود مستعار من وجوده وكل نور مستمد من نوره. وفى الديوان موشحات ودوبيتات أو رباعيات كثيرة، وتكثر مثلها المواليا العامية، وفى الديوان أيضا منظومة صوفية من وزن «كان وكان» العامى.
[٦ - شعراء شعبيون]
لا نقصد بشعبية الشعراء فى الشام أنهم نشأوا فى بيئاتها الشعبية من سلالة عامتها، فذائما جمهور الشعراء فى كل بلد عربى انحدروا من أسر شعبية ولم ينحدروا من أسر أرستقراطية، وإذا استثنينا أبا فراس وبعض أفراد أسرته الحمدانية ممن أنشد أشعارهم الثعالبى وأيضا بهرام شاه الأيوبى صاحب بعلبك المتوفى سنة ٦٢٨ للهجرة ونفرا من أفراد أسرته ممن ترجم لهم العماد فى خريدته بقسم الشام ومن جاء بعدهم مثل الملك الأشرف صاحب «حصن كيفا» حفيد الملك العادل أخى صلاح الدين المتوفى سنة ٦٣٦ إذا استثنينا هؤلاء الأمراء وهم قلة بجانب الكثرة الغامرة من الشعراء وجدنا من عداهم من أبناء الشعب. وكان بينهم غير شاعر يحترف عملا يكفل له عيشه، مثل يحيى الخباز الحموى الذى أنشد له صاحب الخزانة طرائف كثيرة من تورياته، وبالمثل صنع مع