من الموالى، أصله ومنشؤه بالكوفة، كان أبوه نبّالا يبرى النّبل، ويظهر أنه وجهه إلى الدرس والتعلم مبكرا، ويقال إنه لقب بعجرد لأن أعرابيّا مرّ به فى يوم شديد البرد وهو عريان يلعب مع الصبيان، فقال له: تعجردت يا غلام أى قعرّبت فسمى عجردا. وظل عاكفا على التعلم والتأدب، حتى أتقن العربية وانتظم فى سلك المعلمين المؤدبين، غير أنه مضى يفرغ للهو والمجون مع صاحبيه: حماد الراوية وحماد بن الزبرقان، يقول ابن المعتز:«كان بالكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون: حماد عجرد وحماد بن الزبرقان وحماد الراوية يتنادمون على الشراب ويتناشدون الأشعار ويتعاشرون أجمل عشرة، وكانوا كأنهم نفس واحدة، وكانوا جميعا يرمون بالزندقة». فهو لم يكن ماجنا فحسب، بل أشربت روحه الزندقة كما أشربت المجون، وقد مر بنا فى الفصل الرابع ما قاله أبو نواس من أنه كان يظن أن حمادا رمى بالزندقة لعكوفه على المجون، حتى إذا حبس فى سجن الزنادقة وجدهم يقرءون فى صلاتهم شعرا مزاوجا له، فعرف أنه كان إماما من أئمتهم. وعلى نحو ما كان يتواصل مع حماد الراوية وحماد بن الزبرقان كان يتواصل مع مجان موطنه المتزندقة من أمثال مطيع بن إياس ويحيى ابن زياد. وهو يسلك فى مخضرمى الدولتين الأموية والعباسية، ويظهر أن مجونه قديم إذ يقال إنه كان من ندماء الوليد بن يزيد وأنه ظل إلى أن قتل سنة ١٢٦ للهجرة فعاد إلى موطنه، وأخذ يعيش معيشة مجون وفجر وفسق لا يرعوى ولا يزدجر، بل يصرح بذلك تصريحا عاريا مكشوفا، كما يصرح بزندقته مجاهرا، حتى ليقول فيه مساور الوراق:
لو أن مانى وديصانا وعصبتهم ... جاءوا إليك لما قلناك زنديق
(١) انظر فى حماد وأخباره وأشعاره الأغانى (طبعة دار الكتب) ١٤/ ٣٢١ وابن المعتز ص ٦٧ - ٧٢ وابن قتيبة ص ٧٥٤ ومعجم الأدباء ١٠/ ٢٤٩ وابن خلكان وتاريخ بغداد ٨/ ١٤٨ والحيوان للحاحظ ٤/ ٤٤٧ وفى مواضع أخرى (انظر الفهرس) وأمالى المرتضى (طبعة الحلبى) ١/ ١٢٨ - ١٣٤. ولسان الميزان ٢/ ٣٤٩