فهو يفوق-فى رأيه-مانى وديصان وأضرابهما من رءوس الزنادقة. ويعابثه صديقه حماد بن الزبرقان شاهدا عليه بزندقته ومجونه قائلا:
نعم الفتى لو كان يعرف قدره ... ويقيم وقت صلاته حمّاد
هدلت مشافره الدّنان فأنفه ... مثل القدوم يسنّها الحدّاد
وابيضّ من شرب المدامة وجهه ... فبياضه يوم الحساب سواد
وكأنما كان عريه فى صباه ولقبه عجرد الذى لزمه إرهاصا لما أخذ فيه بعد من الإباحة وطلب اللذات. وكان يطلبها فى الحانات وفى الأديرة وفى البساتين، متغزلا فى الإماء والغلمان غزلا مكشوفا كان يتبادله مع مطيع بن إياس وغيره ممن كانوا يمعنون معه فى المجون هازئين بالإسلام ودعوته التى تحرم الإباحة واقتراف المنكرات، حتى لينحازوا إلى الزندقة التى تفتح لهم الأبواب إلى الفسوق والفجر الفاجر.
ويرتفع ما كان فيه من فسق ومجون إلى سمع المنصور، فيستخدمه أداة للنّيل من محمد بن أخيه السفاح، حتى يسقط فى أعين الرعية ويرتفع عندها ابنه المهدى، ذلك أنه كان قد اتصل به من قبل وأدّبه، وترك فيه أثرا سيئا، إذ جعله يميل إلى اللهو وشئ من المجون. ورأى المنصور أن يهتك ستر ابن أخيه فولاه البصرة بعد ثورة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن وأصحبه حمادا، فأكمل إغواءه له، وكشف للناس مجونه، وله فيه مدائح مختلفة من مثل قوله:
أرجوك بعد أبى العباس إذ بانا ... يا أكرم الناس أعراقا وأغصانا
لو مجّ عود على قوم عصارته ... لمجّ عودك فينا المسك والبانا
وحدث أن خطب محمد حين ولى البصرة ابنة عم أبيه زينب بنت سليمان العباسى وكان يهواها، فلم يزوجوها له لنقص كانوا يرونه فى عقله، ورأى أن يؤذيهم فطلب إلى حماد أن ينظم فيها غزلا على لسانه، فنظم وأكثر مما أحفظ عليه أخاها محمد ابن سليمان وأهلها، ولم يلبث محمد أن توفى لأوائل سنة مائة وخمسين للهجرة،