صرت للدهر خاشعا مستكينا ... بعد ما كنت قد قهرت الدهورا
ليتنى متّ حين موتك، لا بل ... ليتنى كنت قبلك المقبورا
ولم يجرّ عليه نزوله البصرة غضب محمد بن سليمان فحسب، بل لقد جرّ عليه أيضا معركة هجاء حامية الوطيس نشبت بينه وبين بشار شاعر البصرة، ذلك أنه أفسد عليه بعض من كانوا يثيبونه، فهجاه والتحم بينهما الهجاء، وشغف بعض معاصريهما بالتحريش بينهما، فكان ينقل إلى كل منهما ما يقوله فى صاحبه، فيثور ويحاول أن يقذفه بحجر مدم، وتكاثرت الأحجار. وكان بشار -مع زندقته-يكثر من هجائه بالزندقة، وردّ عليه بنفس السهام وبسهام أخرى لم تكن أقل إيذاء، إذ كان يهجوه بعماه وقبح خلقته ودنسه وقذارته مهوّنا منه أشد التهوين ومستخفّا به أشد الاستخفاف، وقد أنشدنا فى الفصل الرابع أطرافا من هذا الهجاء المصمى، وأكثرا جميعا من هجو الأمهات والزوجات. ومن المحقق أن حمادا كان يستعلى عليه فى تلك المعركة، إذ كان يشيع فى هجائه له سخرية مرة من مثل قوله:
إن تاه بشار عليكم فقد ... أمكنت بشارا من التيه
وذاك إذ سمّيته باسمه ... ولم يكن حرّ يسمّيه
لم أهج بشارا ولكننى ... هجوت نفسى بهجائيه
ونراه فى بعض عبثه ولهوه مع مطيع بن إياس يلمزه بعض اللمز، ولكنهما لا يندفعان فى الهجاء، فقد كانا صديقين متوادّين. واتصلت صداقته مع يحيى ابن زياد، وكان مثله خليعا ماجنا متّهما بالزندقة، ويقال إنه تاب وأناب بأخرة وهجا حمادا وأشباهه وإنه كان إذا ذكر عنده ثلبه وحكى تهتكه ومجونه، فكتب إليه حماد من قصيدة: