للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - شعراء المديح]

يكثر شعر المديح فى هذا العصر كثرة مفرطة، إذ كان يطلبه الملوك والأمراء والوزراء والولاة والقضاة، ومن يقرأ اليتيمة وتتمتها والدمية والخريدة يرى الشعراء جميعا يمدحون معاصريهم، وكأن عمل الشاعر الأساسى أن ينظم فى المديح، وهو شئ طبيعى إذ كان أداة للكسب ورفاهة العيش، ومرّت بنا كثرة الأعطيات التى كان يأخذها الشعراء وأنهم كانوا-أو كان كثير منهم-يأخذ رواتب من الوزراء والحكام، وكان لكل إمارة شعراؤها الذين يقدّمون لأصحابها المدائح والتهانى فى المناسبات والأعياد المختلفة الإسلامية وغير الإسلامية، بل كان لكل أمير ولكل وزير شعراؤه الذين يروحون عليه ويغدون بالمدائح الرائعة، ونقف قليلا عند الدولة البويهية فإن ما نظم فى عضد الدولة يكاد يؤلف ديوانا مستقلا، إذ لم يكد ينبغ شاعر فى إيران إلا قصده، وقدّم له مدائحه، وقصده المتنبى بشيراز فى سنة ٣٥٤ ومدحه بعدة قصائد بديعة، كما قصده شعراء العراق وفى مقدمتهم السّلامىّ الشاعر، وفيه يقول مواطنه أبو بكر الخوارزمى (١):

غريب على الأيام وجدان مثله ... وأغرب منه بعد رؤيته الفقر

عجبت له لم يلبس الكبر حلّة ... وفينا لأن جزنا على بابه كبر

وكانوا كثيرا ما يشيرون إلى النوال فى مدائحهم على نحو ما صنع الخوارزمى فى البيت الأول، ونظمت فى مؤيد الدولة وفخر الدولة مدائح كثيرة، ولأبى سعيد الرّستمى مدائح بديعة فى أولهما من مثل قوله (٢):

بقيت مدى الدنيا وملكك راسخ ... وظلّك ممدود وبابك عامر

يردّ سناك البدر والبدر زاهر ... ويقفو نداك البحر والبحر زاخر

وبالمثل كان وزراء بنى بويه ممدّحين، وخاصة ابن العميد والصاحب بن عباد، أما ابن العميد فلم يقصده فقط شعراء إيران، بل قصده أيضا جماعة من مشاهير الشعراء من البلاد البعيدة مثل المتنبى الذى وفد عليه بمدينة أرّجان ومدحه بقصائد


(١) اليتيمة ٤/ ٢٢٢.
(٢) اليتيمة ٣/ ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>