للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رائعة، ومثل ابن نباتة السّعدى الشاعر العراقى، وله فيه مدائح جيدة، وكذلك للصاحب بن عباد من مثل قوله فى قدومه إلى أصبهان (١):

قدم الرئيس مقدّما فى سبقه ... فكأنما الدنيا جرت فى طرقه

وكأنما الأفلاك طوع يمينه ... كالعبد منقادا لمالك رقّه

قد قاسمته نجومها فنحوسها ... لعدوّه وسعودها فى أفقه

ولعل وزيرا بويهيّا لم ينل من المدائح ما ناله الصاحب بن عباد، ومرت بنا أسماء طائفة من الشعراء الذين كانوا يلزمون بابه. وكان وراءهم كثيرون يفدون عليه من شتى البلدان الإيرانية والعراقية، وعقد لهم الثعالبى فى يتيمته الباب السادس من جزئها الثالث، وذكر لكل منهم بعض مدائحه فيه، وكان من مادحيه أبو سعيد الرستمى، وله فيه مدائح كثيرة من مثل قوله (٢):

ورث الوزارة كابرا عن كابر ... موصولة الإسناد بالإسناد

يروى عن العباس عباد وزا ... رته وإسماعيل عن عبّاد

وهو يمدحه بأنه نشأ من الوزارة فى حجرها ودرج إلى الناس من وكرها إذ ورثها عن آبائه، وكان أبو سعيد ببالغ مبالغة مفرطة فى مديحه أحيانا على عادة الشعراء فى العصر، من مثل قوله فيه (٣):

لو كان غير الله يعبد ما انثنت ... إلا إليك أعنّة العبّاد

وهى مبالغة تمجّها الآذان. ونراه فى نفس القصيدة يذكر للصاحب أنه قمع أهل الجبر ومن يقولون بأن كل شئ قدر مقدور ملغين حرية الإرادة فى الإنسان، يقول:

ونصبت للإسلام أكرم راية ... وقصمت أهل الجبر والإلحاد

وكان الصاحب إماميا معتزليا، والصلة بين مذهب الإمامية والمعتزلة بل بين المعتزلة والشيعة عامة معروفة من قديم، وهو ما جعل الصاحب يتعقب أهل الجبر بالنكال إن صحّ ما يقول أبو سعيد الرستمى، ويقول له أبو بكر الخوارزمى من قصيدة فيه (٤):

ومن نصر التوحيد والعدل فعله ... وأيقظ نوّام المعالى شمائله

وإنما ذكرنا ذلك لندل على أن المدائح لم تكن ثناء فحسب، بل كانت أيضا تسجيلا لأعمال الأمراء والوزراء، وهى لذلك ذات قيمة تاريخية مهمة، وهى قيمة


(١) اليتيمة ٣/ ١٥٨.
(٢) يتيمة ٣/ ١٩٠، ٣٠٧.
(٣) يتيمة ٣/ ٣٠٧.
(٤) يتيمة ٤/ ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>