للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تغيب عن أذهان كثيرين فيظنون أن المديح كان فى العصور السابقة ملقا ونفاقا، متناسين أنه كان أيضا تسجيلا لأعمال الدولة واتجاهاتها المذهبية وما خاضت من حروب وكسبت من انتصارات. وعلى نحو ما نجد فى كتاب اليتيمة وتتمتها من مدائح بنى بويه ووزرائهم نجد أيضا مدائح السامانيين ووزرائهم من مثل البلعمى مترجم تاريخ الطبرى إلى الفارسية كما أسلفنا، وفيه يقول أبو محمد المطرانى الشاشىّ (١):

بلوناك حين يرجّى الول‍ ... ىّ عرفا ويخشى العدوّ النكيرا

فلم تك إلا اختيارا نفوعا ... ولم تك إلا اضطرارا ضرورا

وكان أبو الحسن بن سيمجور قائد السامانيين ممدّحا، وللمأمونى الشاعر فيه مدائح مختلفة. وبنفس الصورة يلقانا أمراء الدولة الزيارية وفى مقدمتهم قابوس بن وشمكير الذى لقبه الخليفة بلقبه: شمس المعالى، فقد مدحه كثير من الشعراء، وكان غيثا مدرارا، فأكثروا من مديحه.

ولابد أن نشير إلى أن هذه المدائح التى عرضنا لها سريعا عند الزياريين والسامانيين والبويهيين تضمنت وصف ما بنى القوم من قصور مشيدة، وأشرنا فيما مضى إلى ما نظمه الشعراء فى دار بناها الصاحب بن عباد بأصفهان. وأيضا لابد أن نشير إلى أن الشعراء ضمنوا مقدمات مدائحهم النسيب القديم ووصف الأطلال من حين إلى حين. وأكثروا أيضا من تضمينها وصف الربيع وكانوا يقفون عنده طويلا فى مقدمات المدائح بعيد النيّروز. واطّرد ذلك فى مدائح سلاطين الدولة الغزنوية ووزرائها.

وقصائد كثيرة نظمت باللغتين العربية والفارسية فى مديح محمود الغزنوى الملقب بيمين الدولة وأمين الملة والإشادة بفتوحه فى إيران وماوراء النهر وفى الهند، ومن رائع ما مدح به قصيدة لبديع الزمان الهمذانى يقول فيها (٢):

تعالى الله ما شاء ... وزاد الله إيمانى

أأفريدون فى التاج ... أم الإسكندر الثانى

أم الرجعة قد عادت ... إلينا بسليمان

أطلّت شمس محمود ... على أنجم سامان

وأمسى آل بهرام ... عبيدا لابن خاقان

إذا ما ركب الفيل ... لحرب أو لميدان

رأت عيناك سلطانا ... على منكب شيطان


(١) يتيمة ٤/ ١١٦ وضرورا: مضرا.
(٢) اليتيمة ٤/ ٢٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>