فهو لا يرى فى الدنيا ما جدا واحدا، وكأنما الناس كلهم أشرار، ليس فيهم من تجد عنده شيئا من العون يملأ القلب رضا وطمأنينة، بل جميعهم يملأون القلب حسرة ولوعة. ونقف عند شاعرين من شعراء العصر هما الخوارزمى والأبيوردى.
أبو بكر (١) الخوارزمىّ
أصله من طبرستان ومولده ومنشؤه خوارزم، وهو ابن أخت محمد بن جرير الطبرى صاحب التاريخ المعروف، وقد فارق موطنه فى ريعان شبابه، وأقام بالشام مدة. وهو أحد الشعراء والكتاب المجيدين فى عصره، وأيضا أحد أساتذة الأدب ورواته، رحل إلى الشام والعراق وبخارى ونيسابور وسجستان، ثم قصد الصاحب بن عباد، فأكرمه وأعلى منزلته، وغمره بما كان سببا لثرائه وارتياشه، فعاد إلى نيسابور واستوطنها واقتنى فيها عقارا وضياعا، وكان لا يزال يأتيه رسم أو راتب من قبل الصاحب منذ انصرافه عن حضرته.
وكان ذلك سببا فى أن يتعصب تعصبا شديدا للبويهيين ضد السامانيين أصحاب نيسابور وبخارى، وناله من ذلك بعض السوء، لولا توسط الصاحب بن عباد له عند بعض وزرائهم. وكان شيعيّا وكانت نيسابور سنية، فاستوحش منه كثيرون وانتهزوا فرصة وفود بديع الزمان الهمذانى على بلدتهم، فعقدوا مناظرة بينهما انتصروا فيها للبديع، وتصادف أن توفّى الخوارزمى عقبها سنة ٣٨٣ فصفا الجو لمنافسه. وقد خلّف الخوارزمى ديوان رسائل كبير وهو مطبوع، وخلف أيضا ديوان شعر سقط من يد الزمن، غير أن فى كتاب اليتيمة طائفة كبيرة من أشعاره فى النسيب والغزل والمديح والمراثى وفى فنون مختلفة فى مقدمتها الهجاء، وكان طبيعيا أن يصبّه سياطا على ظهور السامانيين حين استخرجوا منه، أو صادروا، بعض ماله وزجّوا به فى سجونهم، وأفرجوا عنه، غير أنه مضى ينتقم منهم بمثل قوله:
جزى الله عنى أهل سامان ما أتوا ... وفى الله للثأر المضيّع طالب
هم زوّجونى الهمّ بعد طلاقه ... وذلك عرس للمآتم جالب
وأنحوا لزرعى بالحصاد وأنضبوا ... مياها لها أيدى سواهم مذانب
فهم يحصدون ما زرعه آل بويه ووزراؤهم، ويأكلونه نارا، وكأنهم جراد منتشر
(١) انظر فى الخوارزمى وشعره اليتيمة ٤/ ١٩٤ وابن خلكان ٤/ ٤٠٠ والوافى بالوفيات ٣/ ١٩١ والشذرات ٣/ ١٠٥ وكتابنا الفن ومذاهبه فى النثر العربى (طبع دار المعارف) ص ٢٣٠ وما بعدها