والقطعة جديرة بأن يغنّى بها، لخفتها فى السمع وعذوبتها وتعبيرها عن الحب الذى أضناه ببساطة، وفيم هذا البخل بالوصل، وليس له من ذنوب، والبيتان الأخيران فى غاية الرشاقة مع النعومة ومع الحلاوة فى السمع التى تشيع فى كل الأبيات. ونتوقف قليلا للحديث عن الشاعر البلّنوبى وغزلياته.
البلّنوبى (١)
هو أبو الحسن على بن عبد الرحمن بن أبى البشر الأنصارى، ولد بمدينة بلّنوبة Villanova فى صقلية، فنسب إليها، وعلى شاكلة لداته اختلف إلى الكتاب لحفظ القرآن الكريم، ولزم الشيوخ حتى ثقف ما عندهم فى اللغة والنحو، وهاجر إلى مصر وعنى فيها بتدريس العروض والنحو فى كتبهما المشهورة حتى توفى سنة ٤٤٢ للهجرة ويبدو أن ملكته الشعرية تفتحت بصقلية مبكرة ونشر رزّيتانو قطعة من شعره باسم ديوان البلّنوبى، وافتتح العماد تراجم الشعراء فى صقلية بترجمته، وبها مختارات كثيرة من غزلياته، وهو فى غزله يصور ما يتسم به الغزل عند شعراء صقلية من التجافى عن الغزل المادى الحسى وما يتصل به من وصف الجسم إلى الغزل المعنوى وما يتصل به من رقة الحس والشكوى من عذاب الحب والسهر وبعد الحبيب وهجره وما يجره ذلك على المحب من الضنا والنحول والسقم الذى لا شفاء منه، ومن طريف غزله:
إليك أشكو عيونا أنت قلت لها ... فيضى فقد فضحتنى بين جلاّسى
وما تركت عدوّا لى علمت به ... إلا وقد رقّ لى من قلبك القاسى
فإن رضيت بأن ألقى الحمام فيا ... أهلا بذاك على العينين والراس
فهى التى أمرت عيونه أن تظل تذرف الدمع شوقا إلى لقائها، حتى فضحته بين جلاسه من صديق وعدو فالكل يرقّ له من قلبها المتناهى فى القسوة، وهو بذلك راض أن يظل مستجيبا لها ويظل الدمع يترقرق فى عيونه، حتى لو رضيت بأن يموت فى سبيلها، فسيتقبل الموت بمنتهى
(١) انظر فى البلنوبى إنباه الرواة ٢/ ٢٩٠ والخريدة للعماد الأصبهانى ١/ ٥ والعرب فى صقلية ونشر رزيتانو ديوانه بالقاهرة سنة ١٩٦٨.