للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرضا. ويقول:

أترانى أحيا إلى أن يعودا ... نازح لم يدع لعينى هجودا

كيف أرجو الحياة بعد حبيب ... كان يومى به من الدهر عيدا

أشتهى أن أبوح باسمك لكن ... لقّنتنى الوشاة فيك الجحودا

وهو يظن أنه لن يحيا حتى يعود حبيبه لطول سهاده وما يعانى منه، حتى ليتصور أنه ميت لا محالة، فقد ذهبت أيام لقائه به التى كان يعدها أعيادا، وإنه ليشتهى أن يبوح باسمه أو اسمها ولكنه يخاف الوشاة، وكأنما علّموه الجحود ونكران الحب. ويقول:

أما تعطفنّ على خاضع ... لديك يناجيك مستعطفا

إذا كتبت يده أحرفا ... إليك محا دمعه أحرفا

ولو كنت أملك غرب الدموع ... منعت جفونى أن تذرفا (١)

وهو يشكو لصاحبته حبّه متذللا مستعطفا، ويقول إنه كلما كتب لها سطرا فى رسالة محت الدموع سطرا سابقا له، ولو كان يملك مصدر دموعه لمنع جفونه أن تذرف الدمع مدرارا، وصورة السطر الذى يكتب والسطر الذى تمحوه دموعه فى الرسالة بديعة. ويقول:

هجرتك يا سؤل نفسى ولى ... فؤاد متى تذكرى يخفق

وما ذاك منى اطّراح الملول ... ولكنه نظر المشفق

كما تتركين برود الشرا ... ب ظمأى مخافة أن تشرقى

وهو يقول إنه هجر سؤل نفسه حبّ قلبه لا مللا ولكن إشفاقا عليها أشد الإشفاق، كما تترك وهى شاعرة بحرقة العطش كوبا من الماء البارد الذى يطفئ غلة ظمئها خوفا من أن تشرق بها وتغص غصة مؤذية شديدة. وكان يدرس العروض لطلابه، فرأى أن ينظم لهم مقطوعة غزلية ثلاثية الشطور، والشطر الأول فيها من مجزوء الخفيف والثانى من مجزوء الرمل والثالث من مجزوء المجتث بحيث إذا ضمّ شطر إلى أخويه أو إلى أخيه نتج وزن جديد، وهى تجرى على هذه الشاكلة (٤):

وغزال مشنّف (٢) ... قد رثى لى بعد بعدى

لما رأى ما لقيت


(١) تذرف: تسيل.
(٢) مشنف: متخذ قرطا.

<<  <  ج: ص:  >  >>