للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نور الدين (١) على العسيلى

من علماء مصر وفضلائها وشعرائها فى القرن العاشر الهجرى توفى سنة ٩٩٤ للهجرة وكان فقيها شافعيا تتلمذ لشيوخ الأزهر، وأظهر براعة فى فنه، وعكف على التأليف والتدريس، وفيه يقول الشهاب الخفاجى: «نور حدقة الزمان ونور (زهر) حديقة الحسن والإحسان وكحل عيون الفضلاء والأعيان» وعاش طويلا، وتعلق بأخرة بالسادة البكرية، فقابله الدهر-كما يقول الشهاب الخفاجى-بوجه طليق. ويبدو أن موهبته الشعرية تفتحت مبكرة، فقد غطّى اشتهاره بشعره على شهرته بالعلم والفقه والفضل، وغلب عليه الغزل من مثل قوله:

سقى الحمى ولياليه التى سلفت ... من أدمعى ومن الوسمى هتّان (٢)

لى فى الديار سقاها المزن صيّبه ... غزال حسن بديع الخلق فتّان (٣)

يا ربرب الحسن قد بالغت فى تلفى ... أما لهجرك يالمياء هجران (٤)

هلا نظرت إلى مضناك راحمة ... فكان يشفع منك الحسن إحسان

وهو لا يمل الدعاء بأن يسقى الحمى وليالى حبه فيه أمطار الربيع ودموعه الهاطلة أبدا ففى الديار غزال سحره وخلب لبه. ويهتف بسرب الحسن أن يلتفت إليه وبصاحبته لمياء أن تصله بعد طول الهجر والعذاب، حتى ولو بنظرة عطف وإشفاق على مضناها الذى طال عناؤه وشقاؤه وحرمانه. ويقول:

كأنّ الذى أهوى على نفسه جنى ... فمال على تلك المحاسن بالفتك

فأغرق خدّيه بماء جماله ... وأوقع فى الظّلماء ناظره التّركى

وهاجفنه يبكى عليه من الضّنا ... وها خصره من ثقل أردافه يشكى

وهو يجعل المحبوب التركى جانبا على نفسه، فقد أغرق خديه فى ماء جماله أو بعبارة أخرى فى رونق حسنه، وكأنما كحل ناظره الأسود بالظلام الداجى فلمع بريقه، ويتخيل كأنما جفنه يبكى


(١) انظر فى نور الدين العسيلى وترجمته ريحانة الألبا (تحقيق عبد الفتاح الحلو) ٢/ ١٩٧ وما بعدها وشذرات الذهب ٨/ ٤٣٤
(٢) الوسمى: مطر الربيع. هتان: هطال.
(٣) المزن: السحاب. صيّبه: مطره.
(٤) الربرب: القطيع من الظباء أو البقر الوحشى والاستعارة واضحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>