للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علموا بأنّى لا أحول فعذّبوا ... ودروا بأنى عاشق فتغضّبوا (١)

قتلوا المتيّم فى الهوى وتظلّموا ... وجنوا عليه بصدّهم وتعتّبوا

ومهفهف لولا حلاوة وجهه ... ما كان مرّ عذابه يستعذب

إن كان يرضى أن أموت صبابة ... فجميع ما يرضاه عندى طيّب

يا باخلا وله أجود بمهجتى ... رفقا على صبّ عليك يعذّب

إن ملت فالأغصان يعهد ميلها ... أو غبت فالأقمار قد تتغيّب

وهو يقول إن صاحبته عرفت أنه لا يستطيع حولا عنها فتمادت فى تعذيبه، ولم ينفعه عندها عشقه. فقد أظهرت له سخطا وغضبا، ومع أنها فتكت بمحبها تشتكى منه ظلما وجورا. وما تزال تتجنى عليه، ويقول إن جمال وجهها هو الذى جلب له هذا العذاب المرير، وإنه ليستعذبه إرضاء لها. حتى ليطيب له الموت فى سبيلها. ويقارن بينه وبينها، فهو يجود لها بروحه، وهى شحيحة شحا شديدا، لا تجود له حتى بنظرة، ويعلل نفسه قائلا: إن مالت عنه فذلك طبيعى، لأنها غصن رشيق، وطبيعة الأغصان أن تميل مع الرياح، وكذلك إن وعدته وغابت فطبيعة الأقمار أن تغيب عن الآفاق.

وكان القيراطى يكثر من التوريات، واختار له ابن حجة الحموى منها فصلا (٢) طريفا أودعه خزانته، من مثل قوله:

تنفّس الصبح فجاءت لنا ... من نحوه الأنفاس مسكيّه

وأطربت فى العود قمرية ... وكيف لا تطرب عوديّه

وعوديّة لها معنيان: القمرية التى تطرب على عود الشجر، والمغنية الضاربة على العود، والتورية واضحة. ولعل فيما سبق ما يوضح الغزل الوجدانى أو الغرامى عند القيراطى، وكان-كما أسلفنا-شيخا من شيوخ الحديث النبوى فى عصره، وكان طلابه يختلفون إليه فى أخذه عنه بالقاهرة ومكة. ولا ريب فى أن إسهام مثله فى هذا الغزل يدل دلالة قاطعة على أن موجته بمصر فى هذا العصر كانت حادة وأنها عمت حتى شيوخ الحديث وحفاظه من أمثال القيراطى. ووراءه كثيرون من الشيوخ الفقهاء والمحدثين المصريين خلفوا دواوين تحمل سيولا من هذا الغزل الوجدانى الرقيق أمثال ابن دقيق العيد وابن الصائغ الحنفى وابن حجر


(١) أحول: أتحول.
(٢) خزانة الأدب للحموى ص ٣٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>