يؤرخ فى إجمال لوزراء الدولة الفاطمية، وهو مع إجماله بالغ الأهمية التاريخية. وأنشد ياقوت لابن الصيرفى بعض أشعار، وهى تدل على أن ملكته النثرية كانت أخصب من ملكته الشعرية.
القاضى (١) الفاضل
هو عبد الرحيم بن على بن حسن اللخمى أصلا، العسقلانى مولدا، البيسانى نسبة إذ كان أبوه يتولى قضاء بيسان بفلسطين للفاطميين فنسب إليها. ويذكر بعض من ترجموا له أنه ولد سنة ٥٢٩ وأكبر الظن أنه ولد قبل هذا التاريخ. كما سنرى بعد قليل. وكان طبيعيا أن يعنى أبوه بتربيته، وبدأ بإرساله إلى كتّاب أو مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وحفظه وحفظ كثيرا من الأشعار. ويبدو أن الأب أحسّ بميل ابنه إلى الأدب، فرأى أن يرسل به إلى ديوان الإنشاء بالقاهرة ليتدرب فيه على الكتابة، وفرح الابن برغبة أبيه: أن يصبح من كتّاب الدواوين الفاطمية، فسافر إلى حاضرة الفاطميين لعهد الخليفة الفاطمى الحافظ (٥٢٤ - ٥٤٣ هـ) ويقول الرواة إنه كان فى الخامسة عشرة من عمره، ونظن ظنا ان سنه كانت أعلى من ذلك على الأقل سنتين أو أكثر حتى يتسنى له أن يهاجر من بيسان إلى القاهرة، وقد اشتد عوده قليلا وخاصة أنه كان أحدب ضعيف البنية. ويقول الرواة إنه حين ألمّ بديوان الإنشاء كان يرأسه الموفق بن الخلاّل أحد كتاب مصر المبدعين، وكان يشركه فى رياسته ابن قادوس الذى ترجمنا له بين الشعراء، وظلت لهما الرياسة حتى توفى ابن قادوس فانفرد بها الموفق بن الخلال حتى نهاية الدولة الفاطمية.
وعنى به الكاتبان الكبيران، وخاصة الموفق بن الخلال، ويقول القاضى الفاضل إنه سأله فى أول لقاء له: ما الذى أعددت لفن الكتابة من الآلات؟ فأجابه ليس عندى شئ سوى أنى أحفظ القرآن الكريم وكتاب الحماسة، فقال له. فى هذا بلاغ ثم أمره بملازمته فمكث يتردد إليه ويتدرّب بين يديه، وأمره الموفق بحلّ شعر ديوان الحماسة، فحلّه من أوله إلى آخره، ولم يزل ابن
(١) انظر فى ترجمة القاضى الفاضل ورسائله وشعره عبر الذهبى ٤/ ٢٩٣ وابن خلكان ٣/ ١٥٨ وطبقات الشافعية للسبكى ٧/ ١٦٦ وحسن المحاضرة للسيوطى ١/ ٥٦٢ والخريدة للعماد الأصبهانى (قسم شعراء مصر) ١/ ٣٥ والنجوم الزاهرة ٦/ ١٥٦ وشذرات الذهب ٤/ ٣٢٤ ونهاية الأرب ٨/ ١ - ٥١ وصبح الأعشى (انظر الفهرس) وراجع الكتب التاريخية فى زمنه وخاصة كتاب الروضتين. ونشر له د. أحمد بدوى ديوانه ومختارات محيى الدين بن عبد الظاهر من نثره باسم الدر النظيم من ترسل عبد الرحيم. وله فيه كتاب بعنوان: القاضى الفاضل: دراسة ونماذج، وانظر كتابنا «الفن ومذاهبه فى النثر العربى» ص ٣٦٨.