للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«فيجب على كل من صفت فكرته، وصحّت فطرته، وأمكنه استنباط معنى غامض، واستدلّ على المحاسن ببرقها الوامض، وعرف موضع الفضيلة فيما يضعه (١) من تصنيف، وعلم موقع الوسيلة به إلى كل موقف شريف، أن يظهر كامن قوّته، ويعمل مطايا رويّته، فيما يخدم مجلسه (٢) العالى به، مما يطرب مورده ومسموعه، ويعجب مؤلفه ومجموعه».

وواضح أن ابن الصيرفى كان يحسن الكتابة إحسانا بعيدا، دون أى غرابة فى لفظ، بل مع السهولة واليسر، فسجعه خفيف لا غلظ فيه ولا كزازة، وكأنه يفيض من ينبوع غدق، شرابا يمتع النفس. وكان يوشّيه أحيانا بالألفاظ القرآنية مثل قوله عن المناقب إنها «نقّبت فى البلاد» أى مضت وانتشرت أخذا من قوله تعالى: {(فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ)}. واقتباسه للألفاظ والآيات القرآنية واضح فى رسائله. وكثيرا ما يوشى سجعه بالمحسنات البديعية وخاصة الاستعارة والتشبيه والجناس والطباق. وأورد ابن سعيد لغزا له فى السيف على هذا النحو: «يبالغ فى شكره إذا أقصد (٣) وجرّح، وتقبل فى تزكيته شهادة المجرّح». وفى كلمتى التزكية والمجرّح توريتان واضحتان فللتزكية معنيان. التعديل من قولهم زكى الشهود أى عدّلهم، وهو المعنى القريب للكلمة بدليل كلمة الشهادة. والمعنى الثانى بعيد، وهو الإطراء وهو المراد، وكذلك لكلمة المجرّح معنى قريب بدليل كلمة الشهادة وهو الذى لا تقبل شهادته. ومعنى ثان بعيد وهو المجرّح بالسيف فى الحرب، وهو أيضا المراد. ولعل فى هاتين التوريتين ما يدل على أن ابن الصيرفى كان يستظهر التورية فى نثره أحيانا ومرّ بنا أن شعراء القرن الخامس وفى مقدمتهم الشريف العقيلى كانوا يستخدمونها كثيرا. وتبعهم فى ذلك الكتاب كما نرى الآن عند ابن الصيرفى. وبذلك يتبين خطأ ابن حجة الحموى حين زعم أن القاضى الفاضل هو الذى ذلل من التورية الصعاب وأنزل الشعراء بساحاتها ورحابها (٤) فقد نزلها شعراء الدولة الفاطمية من قبله وكتّابها، وبهديهم اهتدى القاضى الفاضل، وعن قوسهم رمى.

ولابن الصيرفى كتابان مطبوعان موجزان هما: قانون ديوان الرسائل، وكتاب الإشارة إلى من نال الوزارة. والكتاب الأول فى نظام ديوان الرسائل وبيان ما ينبغى أن يتحلى به رئيسه وموظفوه من ثقافات وصفات مميزة، وبه مقتطفات من بعض رسائله وهو كتاب نفيس. والكتاب الثانى


(١) فى المغرب: يصنفه.
(٢) فى المغرب: محله.
(٣) فى المغرب: أفسد، وأقصد السهم: أصاب
(٤) خزانة الأدب للحموى (طبعة بولاق) ص ٦٧

<<  <  ج: ص:  >  >>