للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحيوانات ويختم حديثه عنها بكلام على لسان النملة إذ تقول:

«إذا رماك الدهر بمرمى فقم له، وإذا رأيت من تهيأ للسير فسر قبله، ولا تكن فى تدبير عيشك أبله، تعّلم منى قوة الاستعداد وتحصيل الزاد للمعاد. . كلّفت جمع المئونة بتيسير المعونة، وأعطيت قوة الشم من الأماكن البعيدة فأدركت بالشم من بعد الفراسخ، ما لم يدركه ذو العلم الراسخ، ثم أعطيت بالتقدير، حسن التدبير، فأدبّر ما أدّخره من الحب لقوتى، فى بيوتى».

والكتاب بذلك كتاب تعليم ووعظ ودفع للإنسان يسير فى الطريق السديد، واعيا لحكمة الله فى خلقه، متعظا بما تورده عليه الحيوانات والأطيار والأزهار من مواعظ وحكم وأمثال وأضواء تنير له دنياه، وتعده إعدادا حسنا لأخراه. ولغة الكتاب سهلة بسيطة قريبة من لغة الحياة اليومية لأنه أريد به إلى الوعظ والإرشاد، وهو حقا مسجوع، ولكن ليس فيه ألفاظ آبدة غريبة، وتتخلله أبيات شعرية سائغة، تدل على حسن ذوق المؤلف ودقة اختياره. وبجانب الأبيات المختارة أبيات من نظمه تدل على أن ابن غانم كان يحسن الشعر والنثر جميعا.

[٥ - أعمال أدبية: رسائل وغير رسائل]

خلّفت الشام فى هذا العصر أعمالا أدبية كثيرة، ويلقانا فى مفتتحه كشاجم، وله كتاب المصايد والمطارد عرض فيه الصيد وآلاته وما قيل فيه من الأشعار عرضا طريفا، وله بجانبه كتاب فى البيرزة أو بعبارة أخرى فى جوارح الصيد، وكتاب فى أدب النديم. ولأبى العلاء المعرى أعمال أدبية نثرية كثيرة، لعل أهمها رسالة الغفران، وسنلم بها عما قليل، وفى خريدة القصر قسم الشام رسالة أدبية بديعة هى رسالة النسر والبلبل، وسنفرد لها كلمة موجزة، وفى الخريدة أيضا رسالة (١) طريفة ليعمر بن عيسى المتوفى شابا سنة ثمان أو تسع وستين وخمسمائة، وموضوعها معاشرة الإخوان واغتنام الفرصة قبل أن تصبح غصّة فى دنيالا يدوم نعيمها ولا تندمل كلومها، وعنده أن الفرصة هى الإقبال على اللهو والقصف والصيد والقنص. ويفيض فى وصف الصيد وما ركبوا فيه من خيل وما حملوا فيه معهم من فهود وكلاب وبزاة وشواهين، ويطيل فى بيان صيد


(١) انظر الرسالة فى الخريدة (قسم الشام) ١/ ٣٥٤ - ٣٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>