للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعدل الاجتماعى، ولما ازدرى من الحق والواجب. ورأى العباسيون أن يتخذوا من العراق موئلا لخلافتهم، فعلا نجمه، بينما هوى نجم الشام إذ أصبحت ولاية تابعة له بعد أن كان يتبعها. واتخذ السفاح-كما أسلفنا-الهاشمية مقر الدولة، ولم يلبث أبو جعفر المنصور أن اختار قرية صغيرة على الضفة الغربية لدجلة لتكون حاضرة الخلافة، هى بغداد.

٢ - بناء بغداد ثم سامرّاء

رأى أبو جعفر المنصور أن يبتعد بحاضرة دولته عن الكوفة مركز العلويين من قديم حتى يأمن على نفسه مما قد ينشب فيها من ثورات، وحتى يعزل جنده عن أهلها فلا يفسدوهم. وكان مما دفعه إلى ذلك ثورة الراوندية، وهم نفر من شيعته كانوا يؤمنون بتناسخ الأرواح، وحدث أن اجتمعوا بالهاشمية هاتفين بأن المنصور ربهم، فلما خرج إليهم ينهاهم عن سوء معتقدهم تدافعوا إليه كالموج، وكادوا يفتكون به لولا دفاع معن بن زائدة الشيبانى عنه وحسن بلائه (١).

ولما انتهت هذه الفتنة رأى المنصور-بثاقب نظره-أن يحوّل حاضرته من الهاشمية إلى موضع يأمن فيه الفتن، فبعث بجماعة من أصحابه يرتادون له المكان الذى يبتنى به مدينته المحصنة الجديدة، وخرج بنفسه يرتاد معهم. وأعجبته بقعة بغداد التى لا تبعد كثيرا عن موقع بابل القديمة، فأحضر صاحبها وأصحاب القرى المجاورة لها من بطارقة ورهبان، وأخذ يسألهم عن أحوالها، فانبرى صاحبها يذكر له أنه يحفّ بها أربعة طساسيج (٢): طسوجان فى الجانب الغربى هما قطربّل وبادوريا، وطسوجان فى الجانب الشرقى هما: نهر بوق وكلواذا، فإن أجدب طسوج أخصب طسوج ثان. ثم ذكر له قربها من الفرات وما يحمل فيه من طرائف الشام والمغرب ومصر ووقوعها على دجلة وما يحمل فيه من متاجر البصرة التى


(١) الطبرى ٦/ ١٤٧ والفخرى فى الآداب السلطانية والدول الإسلامية لابن الطقطقى (طبعة المطبعة الرحمانية بالقاهرة) ص ١١٦.
(٢) انظر الطبرى ٦/ ٢٣٦ وابن الطقطقى ص ١٨. والطساسيج: جمع طسوج وهو الناحية.

<<  <  ج: ص:  >  >>