للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أداء الطاعات نهوض من يريد الحصول على قصب السبق، وينصحه كذلك أن لا تفلت منه مهلة ساعة أو لحظة دون أن يعبد الله حق عبادته قبل أن يوافيه القدر ويبعث يوم القيامة يوم الهول الأكبر والتفاف الساق بالساق كما جاء فى وصف يوم البعث بسورة القيامة. ويستعين عبد الله فى البيت الثالث بالآية القرآنية فى سورة الانشقاق: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} فالإنسان عامل فى دنياه وسيلقى جزاء ما عمل من خير أو شر فى أخراه، إذ كلّ يجزى بعمله وينال ما يستحقه من ثواب أو عقاب. وحرى بنا أن نتوقف قليلا عند الصواف ومواعظه.

أحمد (١) الصواف

هو أحمد بن أبى سليمان داود الصواف، ولد سنة ٢٠٤ هـ‍/٨١٩ م ودخل الكتاب مثل لداته وحفظ فيه القرآن الكريم، واختلف إلى حلقات المحدثين والفقهاء، ولزم حلقة سحنون وكان من أقرب تلاميذه إليه لما عهد فيه من ذكاء، وفى كتاب الحلل السندسية روايات مختلفة له عن أستاذه تتصل ببعض أخباره وببعض الأحاديث النبوية. وكان ثقة فى الفقه والعلوم الإسلامية، وروى كثيرا من الشعر غذّى به ملكته الشعرية، وكان يوصى طلبته بالوقار والتعفف ومجالسة العلماء ومجانبة الأشرار، وكان كثير التأمل فى ملكوت السموات والأرض، ونقش على خاتمه:

«أحمد تفكر تعتبر» ويؤثر عنه أنه كان يقول: أنا حبس (موقوف) وكتبى حبس على طلبة العلم، فهو محبوس على عبادة ربه ونسكه وكتبه محبوسة على طلاب العلم والمعرفة، وكان شاعرا جيدا وطبيعى أن تكون أكثر أشعاره فى الحكمة والعظة الحسنة، وعاش طويلا حتى وافاه الأجل سنة ٢٩١ هـ‍/٩٠٣ م ومن وعظه:

تركت تكاليف الحياة لأهلها ... وجانبتها طوعا فجانبنى الرّدى

أرانى بحمد الله فى المال زاهدا ... وفى شرف الدّنيا وفى العزّ أزهدا

تخليت عن دنياى إلا ثلاثة ... دفاتر علم ثم بيتا ومسجدا

وهو يقول إنه لم يتعلق بشئ من تكاليف الحياة ومتاعها، ولذلك بارك الله فى حياته وجانبه الموت، ويصرح بأنه زاهد فى كل ما يطمع فيه الناس من المال ومن الشرف والعز والمجد فكل ذلك لا يعتد به إنما يعتد بثلاثة لا غير: بدفاتر العلم ومدارسته وبالمسجد يتبتل فيه إلى ربّه وبيت يأوى إليه، فتلك الثلاثة هى غناه وسعادته وكل ما يقتنيه من دنياه. ثم يقول:


(١) انظر فى أحمد الصواف رياض النفوس للمالكى ١/ ٤٠٧ وما بعدها والمجمل ص ٦٩ والحلل السندسية (انظر الفهرس).

<<  <  ج: ص:  >  >>