للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديوان الإنشاء للدولة الصنهاجية المتوفى سنة ٤٢٦ للهجرة (١):

أمن الزمان زمانة العقل ... فاخش الإله وحل عن الجهل (٢)

واعلم بأنك فى الحساب غدا ... تجزى بما قدّمت من فعل

وهو يقول إن من يأمن الزمان لا يعدّ صحيح العقل، بل لكأنما عقله به آفة، وأى زمان إننا نحيى فيه حياة قصيرة أو طويلة ثم نلقى الله فحرى بكل شخص أن يخشاه وأن يتخلص مما على عقله من غشاوة الجهل فإنه معروض على ربه فى الحساب غدا ويجزى بما قدمت يداه من عمل طيب أو سيئ. ويقول على بن حبيب التنوخى المتوفى سنة ٤٤٠ هـ‍/١٠٤٩ م واعظا (٣):

للمرء فى أيامه واعظ ... لو فكّر المغرور فى رمسه (٤)

كم من قرير العين فى غبطة ... أعراه صرف الدهر من لبسه

ففارق الأحباب عن كرهه ... واستبدل الوحشة من أنسه

يا ربّ غفرانك يرجو الذى ... أسرف فى الدنيا على نفسه

وهو يعظ المغرور بأنه لو فكر فى رمسه أو قبره وأنه مدفون به غدا لطأطأ من غروره، وتذكّركم من شخص كان مسرورا فى نعمة وحياة رغدة طيبة جرّده حادث الدهر من ذلك كله، ففارق الأحباب مكرها مرغما وأصبح فى حفرة مظلمة لا أنيس ولا رفيق. ويتجه الشاعر إلى ربه معترفا بما أسرف على نفسه من الذنوب راجيا منه الغفران. ويقول عبد الله التجانى الذى ترجمنا له بين شعراء المديح من قصيدة وعظية طويلة (٥):

بادر إلى التقوى بدار مسارع ... وانهض إلى الطاعات نهض سباق

واغنم من الأيام مهلة ساعة ... قبل التفاف السّاق منك بساق

يا أيّها الإنسان إنك كادح ... كدحا وأنت لما كدحت ملاقى

والمرء مجزىّ بما هو فاعل ... وجزاؤه جار على استحقاق

وهو ينصح من يخاطبه بالمبادرة إلى التقوى وعبادة الله بدار مسارع عجل، وبالنهوض إلى


(١) المجمل ص ١٢٩.
(٢) زمانة: مرض. حل: تحول.
(٣) الأنموذج ص ٢٨١ والحلل السندسية ٢/ ٣٣٤ والمجمل ص ١٣٤.
(٤) رمس: قبر.
(٥) الحلل السندسية ٢/ ٥١٦ والمجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>