للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طالبين ما عند الله من ثواب الآخرة. وساعد على انتشار هذه الروح الدينية هناك كثرة المحارس أو الرباطات التى أقيمت على طول الساحل التونسى للعبادة والنسك وحراسة البلاد من القراصنة وأعداء الله الروم وغيرهم. ولم يكن هناك فقيه كبير إلا ويقيم بها بعض أشهر سنويا للدفاع عن الوطن حين يباغته عدوّ أو قراصنة، واشتهر سحنون إمام المذهب المالكى فى المغرب جميعه بأنه كان يرابط وقتا فى السنة بالمنستير قرب مدينة سوسة، وكان واعظا وزاهدا كبيرا وكثير من تلاميذه كانوا وعاظا زهادا واشتهر منهم شاعران فقيهان واعظان، هما أبو العباس بن زرزر وأحمد الصواف، أما ابن زرزر فأكثر من الشعر فى توحيد الله والرد على المارقين والملحدين، وأما أحمد الصواف فله شعر كثير فى المواعظ وسنخصه بترجمة. ويلقانا بعده ابن الرائس الفضل بن نصر المتوفى سنة ٣٤٤ هـ‍/٩٥٥ م وهو من أفذاذ الشعراء والعلماء، وله يعظ من قصيدة (١):

ماذا تريك حوادث الأزمان ... وصروفها وطوارق الحدثان (٢)

والجاريات السّبع فى الفلك الذى ... يجرى بتقدير العظيم الشان

من خفض أعلام ورفع معاشر ... وزوال سلطان إلى سلطان

أمّا الزمان فواعظ لك صرفه ... لو كنت متّعظا بصرف زمان

وهو يقول: ها هى حوادث الأزمان ونوائبها وحوادث الليل والنهار وما تجرى به الكواكب السيارة فى الفلك بتقدير الله وما يتصل بذلك من الهبوط بأناس والارتفاع بآخرين وزوال سلطان إلى سلطان، كل ذلك هو الزمان، وحرى بك أن تتعظ بصرفه وبما يجرى به من محن وخطوب. ولا ريب فى أن حلقات الوعظ الكثيرة التى كانت منبثة فى القيروان وغيرها منذ القرن الثالث بل قبله هى التى أعدت لكثرة الوعظ على ألسنة الشعراء. ويقول عبد الله بن رشيق المتوفى سنة ٤١٩/ ١٠٢٩ م (٣):

خير أعمالك الرّضا ... بالمقادير والقضا

بينما المرء ناطق ... قيل قد كان فانقضى

وهو يدعو إلى الرضا بالقضاء فلن يستطيع أحد أن يبدل حكما له، وإذن لا بد أن يقبل كل ما ينزله به، فذلك هو عين العقل والصواب. ويخوّف عبد الله بن رشيق من الموت إذ ما يلبث أن ينزل بالإنسان، فيقال: قد كان حيا وانقضى أجله وانتهى. ويقول على بن أبى الرجال رئيس


(١) المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ٨٨.
(٢) صروف جمع صرف: نوائب الحدثان: الليل والنهار.
(٣) الأنموذج ص ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>