وقد عاش زهير فى خلال هذه الحروب التى نشبت بين عبس وذبيان، حروب داحس والغبراء التى سبق أن تحدثنا عنها فى غير هذا الموضع، وقد أسهمت عشيرة أخواله، فى تلك الحروب وصليت نارها. وأيضا فإنها صليت نيران حروب أخرى كانت تنشب بينها وبين بعض العشائر الذبيانية، وفى شعر خاله بشامة ما يصور تلك الحروب الأخيرة، فقد روى له صاحب المفضليات قصيدتين يحرض فيهما عشيرته أن لا يخذلوا حلفاءهم «الحرقة» وأن يقفوا معهم ضد بعض العشائر من بنى سعد بن ذبيان. ومعنى ذلك أن الأيام التى عاشها زهير فى عشيرة أخواله الذبيانيين لم تكن أيام استقرار وأمن، إنما كانت أيام حروب وسفك للدماء، فدائما تشنّ الغارات، ودائما تجيش القلوب بالأضغان، فتسلّ السيوف وتقطع الرقاب. ويعودون من حروبهم دائما إلى رعى الإبل والأغنام، وإلى صيد بعض الحيوان، شأن القبائل النجدية فى العصر الجاهلى.
وكانت ذبيان وغيرها من قبائل غطفان تتعبّد فى الجاهلية العزّى، ويقال إنها كانت شجرة أقامت حولها كعبة كانت تحج إليها، وتهدى القرابين، وقد هدمها خالد بن الوليد بأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم، وربما قال الرواة إنها شجرات ثلاث، وقد يقولون إنه كان فى الكعبة وثن. وأكبر الظن أن هذا هو الصحيح فقد كان فيها وثن العزّى، وكان من حوله شجرات يقدسونها (١). ومهما يكن فقد كانوا وثنيين، وظلوا على وثنيتهم إلى ظهور الدين الحنيف.
[٢ - حياته]
ليس بين أيدينا شئ واضح عن نشأة زهير سوى أنه عاش فى منازل بنى عبد الله ابن غطفان وأخواله من بنى مرة الذبيانيين، وفى كنف خاله بشامة بن الغدير، وكان شاعرا مجيدا كما كان سيدا شريفا ثريّا، يقول ابن سلام: «وكان كثير المال، وكان
(١) انظر تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على ٥/ ٩٧ وما بعدها.