ويقال إنها ماتت فى إحدى زياراتها لقبره، فدفنت إلى جنبه. ونقف قليلا عند بطلين من أبطال هذا الحب العذرى، هما: قيس بن ذريح عاشق لبنى وجميل عاشق بثينة.
قيس (١) بن ذريح
من قبيلة كنانة، كانت عشيرته تسكن فى ضواحى المدينة، وعرف بأنه رضيع الحسين بن على، ولا نعرف شيئا عن نشأته، بل تساق لنا قصة حبه، كأنها هى كل حياته. وهى قصة محبوكة الأطراف، إذ يروى أنه مر فى رحلاته بديار لبنى الخزاعية، فرآها، ووقعت فى قلبه ووقع فى قلبها. وذهب إلى أبيه، وكان كثير المال موسرا، يعرض عليه أن يخطبها له، فأبى، وحاول أن يجد عند أمه معونة على أبيه، فلم يجد عندها ما أراد، فلجأ إلى رضيعه الحسين بن على، فتوسط له عند أبيه وأبى لبنى، وأعظما هذه الوساطة، وتزوج العاشقان، غير أنهما لم يرزقا الولد، وداخلت أمّ قيس الغيرة من كلف ابنها بلبنى. ومرض قيس، فأوعزت إلى أبيه أن يغريه بطلاقها والزواج من أخرى، رجاء أن يرزقه الله الولد. وأخذ الأبوان يلحّان عليه بعد شفائه من علّته أن يفارقها وصدع لمشيئتهما. وتولاه جزع شديد، حتى قبل أن تبرح دارها إلى دار أبيها، فقد تصادف أن نعق غراب قبل رحيلها، فتشاءم تشاؤما شديدا، ونظم فى نعيقه أشعارا كثيرة، من مثل قوله:
لقد نادى الغراب ببين لبنى ... فطار القلب من حذر الغراب
وقال: غدا تباعد دار لبنى ... وتنأى بعد ودّ واقتراب
فقلت: تعست ويحك من غراب ... وكان الدهر سعيك فى تباب
ورحلت لبنى، فاضطرمت جذوة الحب فى نفس قيس اضطراما، ووجد بلبنى وجدا ليس مثله وجد، ومضى لا ينعم بطعام ولا بشراب، يذكرها
(١) انظر فى قصة قيس الأغانى (طبع دار الكتب) ٩/ ١٨٠ وما بعدها والشعر والشعراء ٢/ ٦١٠ وأمالى القالى ٢/ ٣١٨ وراجع الموشح ص ٢٠٦ وحديث الأربعاء ١/ ٢٥٦.