للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستيقظا ويطوف به خيالها نائما، ويقول فى غرامه بها الشعر من مثل قوله:

لقد لاقيت من كلفى بلبنى ... بلاء ما أسيغ به الشرابا

إذا نادى المنادى باسم لبنى ... عييت فما أطيق له جوابا

وقوله:

وإنى لأهوى النوم فى غير حينه ... لعل لقاء فى المنام يكون

تحدّثنى الأحلام أنى أراكم ... فياليت أحلام المنام يقين

وكانت لبنى تسمع بوجده وشعره، فلا يهنأ لها عيش، وتبكى مصيرها ومصيره. ويروى أن غلاما أتاها يوما بأربعة غربان، فذكرت أشعار قيس فى غراب البين، وأخذت تنتف ريشها وهى تصيح بأشعار مختلفة من مثل قولها:

ألا يا غراب البين لونك شاحب ... وأنت بلوعات الفراق جدير

فلا زلت مكسورا عديما لناصر ... كما ليس لى من ظالمىّ نصير

ولما أضنى الحب قيسا رقّ له بعض رفاقه، فواعدوه أن يخرجوا معه إلى ديار لبنى لعله يحظى برؤيتها، فمضى معهم وهو ينشد:

لقد عذّبتنى يا حبّ ليلى ... فقع إما بموت أو حياة

فإن الموت أروح من حياة ... تدوم على التباعد والشّتات

ووقعت عينه عليها، فخر مغشيّا عليه. وعادوا به، وهو لا يكاد يفيق من غشيته. وأشار عليه نفر أن يحجّ لعله يسلوها، فحج ورآها هناك، فعاوده فتونه، وأخذت تسيل عبراته، وهو ينشد فيها أشعاره. ولقيها فعرف أنها ما زالت تحفظ له العهد، وعاد من الحج يتغنى بحبه، على شاكلة قوله:

تعلّق روحى روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنا نطافا وفى المهد

فزاد كما زدنا فأصبح ناميا ... وليس إذا متنا بمنصرم العهد

ولكنه باق على كل حادث ... وزائرنا فى ظلمة القبر واللّحد

<<  <  ج: ص:  >  >>