الإمام على. ولعل فى كل ما أسلفت ما يصور شعر بكر بن حماد، وهو استهلال مبكر فى القرن الثالث الهجرى لما ينتظر الجزائر فى الشعر من مستقبل خصب.
سعيد (١) المنداسى
هو سعيد بن عبد الله المنداسى الأصل التلمسانى موطنا ومنشأ، عاش فى القرن الحادى عشر الهجرى، ولا يعرف تاريخ مولده كما لا يعرف شئ عن أسرته ونشأته، ولا بد أن نشأ مثل لداته يعنى بحفظ القرآن الكريم، حتى إذا حفظه أخذ ينهل من حلقات علماء اللغة والبلاغة والأدب والعلوم الدينية. وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة واستطاع أن يجمع بين الشعر الشعبى والشعر الفصيح، ونظم كثيرا من النوع الأول وشهره فيه قصيدة نبوية سماها «العقيقة» فى نحو ثلاثمائة بيت. وكانت تلمسان فى شبابه تغلى دائما بفتن واضطرابات ضد العثمانيين وظلمهم، وكان أهلها يثورون ضدهم ويثور معهم الشاب سعيد المنداسى، وكثيرا ما كان يذكى ثورة التلمسانيين بشظايا من شعره الشعبى، وأحيانا يفزع إلى سهام من الشعر الفصيح، وخوّفه كثيرون مغبة ذلك. وحدث أن أغار على تلمسان صاحب سجلماسة محمد بن الشريف رأس الدولة العلوية بالمغرب الأقصى فى الخمسينيات من القرن الحادى عشر الهجرى، وأقام بها فترة قصيرة التحق فيها سعيد المنداسى بحاشيته، وعاد معه إلى عاصمته، ويقول صاحب الاستقصاء إن المنداسى مدحه بقصائد شعبية كثيرة وإنه أغدق عليه كثيرا من نواله، وخلفه أخوه الرشيد، وظل سعيد يقدم إليه مدائحه الشعبية، والرشيد يقرّبه ويجزل له فى العطاء حتى قال صاحب الاستقصاء إنه منحه خمسة وعشرين رطلا من الذهب جائزة على بعض مدائحه فيه، وتوفى وخلفه أخوه السلطان إسماعيل العلوى سنة ١٠٧٩ هـ/١٦٦٨ م واتسع فى الاستيلاء على بلدان المغرب الأقصى وخلّص كثيرا مما كان منها شمالا بيد الإسبان. وكان عهده عهد عدل وأمن ورخاء، وشيد كثيرا من الآثار، مما جعل سعيدا المنداسى يتغنى طويلا بمديحه فى شعره الشعبى، وكان السلطان إسماعيل بدوره يسبغ عليه كثيرا من عطاياه، حتى ليقال إنه أعطاه خمسة وعشرين رطلا من الذهب الخالص جائزة على بعض مدائحه فيه. وقد توفى الشاعر فى عهده بسجلماسة، ويقال بل إنه عاد إلى بلده وتوفى فيها ولا يعرف تاريخ وفاته، واستظهر بعض الباحثين أنها كانت سنة ١٠٨٨ هـ/وربما كانت بعد ذلك بسنوات معدودة.
وشعر سعيد المنداسى سواء الشعبى والشعر الفصيح يتناول المديح كما أسلفنا والغزل
(١) انظر فى ترجمة سعيد المنداسى وشعره ديوانه تحقيق وتقديم الأستاذ رابح بونار (طبع الجزائر). وراجع ديوان المنداسى فى الأدب الشعبى لمحمد بخوشة. وانظر فى الدولة العلوية وعلاقة المنداسى بها الاستقصاء فى مواضع مختلفة.