للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصبحت عجافا مهزولات، ويضرع إلى ربه طويلا أن يرسل على البلاد سحبا تتدفق بالأمطار، فينبت الزرع ويمتلئ الضرع، وتنشأ الرياض وتجود الأشجار ويروى الظمآن ويشبع الجائع ويعم رخاء لا يشوبه بؤس ولا شقاء.

٣ -

شعراء المدائح النبوية

بدأت هذه المدائح فى حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم على لسان حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير وأضرابهم، وأخذت تتكاثر فى العصر العباسى على لسان أهل السنة مصورين فى الرسول المثل الأعلى للمسلم فى تقواه ونسكه ودعوته لرسالته وجهاده العظيم فى نشرها، وبالمثل على ألسنة الشيعة مرددين أن نوره المحمدى سرى فى أئمتهم. وأخذ المتصوفة-منذ الحلاّج-يشيعون فكرة الحقيقة المحمدية وأن الرسول صلّى الله عليه وسلم مبدأ الوجود الروحى للحياة البشرية، بل مبدأ النور والوجود فى الكون. ويشيد المادحون له دائما بمعجزاته المبثوثة فى كتب السيرة النبوية وبمعجزته الكبرى الخالدة: القرآن الكريم. وعادة ينهون مدائحهم بالتماس الشفاعة منه يوم القيامة وأن يغفر الله لهم ذنوبهم. ومنذ نشط الشعر فى موريتانيا نرى شعراءها-مثل شعراء الأقطار الإسلامية-يتغنون بمديح الرسول صلّى الله عليه وسلم مصورين سيرته ومعددين مناقبه ومعجزاته الباهرة وجهاده الرائع فى نشر رسالته وجهاد أصحابه، مع التوسل إليه فى غفران ذنوبهم والشفاعة يوم العرض. وتكثر هذه المدائح فى الشعر الموريتانى، ونختار بعض أمثلة مع الترجمة لبعض من برعوا فى نظمها، فمن ذلك قول محمد بن عبد الرحمن الحسنى-من شعراء القرن الثانى عشر الهجرىّ-فى مديح الرسول صلّى الله عليه وسلم (١):

فإن لم تكن لى خيمة حول رمسه ... فهذا هواه فى فؤادى خيّما (٢)

ويا ليت خدّى كان موطئ نعله ... وصدرى ضريحا جامعا منه أعظما

وما مثله البحر الخضمّ تكرّما ... ولا كثناياه البروق تبسّما (٣)

ولو قسته ضوءا وجودا وجرأة ... بشمس وضرغام ووبل متى همى (٤)

لكنت كمن قد شبّه الشمس بالسّها ... وبالطّلّ وكّافا وبالهرّ ضيغما (٥)

وهو يقول إن لم تكن لى خيمة أعيش فيها حول قبره فإن هواه خيّم فى فؤادى واستقر به، ويتمنى لو عاش فى زمنه وكان خده موطئ نعله وصدره قبرا لأعظمه العطرة، ويقول


(١) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ١٤٣.
(٢) رمسه: قبره.
(٣) الخضم: الواسع الزاخر.
(٤) ضرغام: أسد. وبل: مطر غزير. همى: سال.
(٥) السها: كوكب صغير. طل: مطر قليل. وكاف: مطر منهمر. ضيغم: أسد.

<<  <  ج: ص:  >  >>