للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن يمضى عليه يوم إلا وعنده آلاف من الناس يطعمهم ويكسوهم ويقضى جميع حوائجهم ومآربهم. . وكان تلاميذه ومريدوه يحاولون أن يقلّل من هذا الكرم الفياض فلا يستمع إليهم إلى أن توفى سنة ١٢٨٤ هـ‍/١٨٦٨ م. وكان شاعرا بارعا، وله من قصيدة:

رفعت إلى مولاى جلّ شكيّتى ... وأمّلت نشلى عنده من بليّتى

بليت وهل يبلى مريد بمثل ما ... بليت به من خبث نفس غويّة

حجاب عماها عن شهود صفاتها ... به حجبت عن مشهد الأحديّة

لذلك أفنت جدّها واجتهادها ... ومرغبها فى الفانيات الدّنيّة

صحت من سحاب الواردات سماؤها ... بعصف رياح الهاجسات الرّديّة

مددت إليك الكفّ يا خير واهب ... فلا تحرم الخير المفاض يديّتى (١)

وهو يقول إنه رفع شكواه إلى ربه ضارعا إليه أن ينقذه من بليته، وهل يبلى مريد محب ربه بمثل ما بلى به من نفس خبيثة ممعنة فى الغواية إمعانا حجبها عن مشهد الصوفى لأحديته واتحاده بربه، ويقول إنها جعلت كل همها واجتهادها فى المتاع الفانى، مما جعل الواردات الربانية تنحسر عن سمائها بهبوب رياح الخواطر الرديئة. ويضرع إلى ربه مادّا كفّيه أن لا يحرم يده من خيره الذى يفيضه على عباده، ويريد الخير الصوفى من النسك له والاتحاد به والفناء فيه. وله دعاء طويل يستهلّه بقوله:

يا واسع الرّحمات يا فتّاح ... يا من دعاه لبابه مفتاح

يا برّ يا رزّاق رزقك شامل ... تغذى به الأرواح والأشباح

يا فارج الهمّ المربّ وكاشفا ... كرب العبيد إذا دعوك وباحوا (٢)

فرّج كروب المسلمين جميعهم ... وأغث بما لهم به إصلاح

أنت المغيث وأنت ذو الرّحمى التى ... بنزولها شدد الورى تنزاح (٣)

تلك الأراضى وهدها ونجادها ... جرز بها تتخافق الأرواح (٤)

وهو يدعو ربه قائلا: اشملنى برحمتك الواسعة وافتح لى باب الرزق المغلق، يا من يستجيب للداعين، يا محسن، يا رزاق رزقا شاملا للناس وغير الناس، يا فارج الهم المقيم وكاشفا غم العبيد فرّج كروب المسلمين وأغثهم بما يصلحهم، فأنت المغيث الرحيم الذى برحمته تزول كل الشدائد. ويصور الشدائد فى شنقيط ومراعى تيرس وريفها، فالأراضى منخفضاتها ومرتفعاتها أجدبت، ولم يعد بها إلا رياح تهب يمينا وشمالا ويقول إن البهائم لا تجد ما ترعاه


(١) يديّتى: تصغير يد.
(٢) المرب: المقيم.
(٣) شدد جمع شدة.
(٤) جرز: مجدبة. تتخافق: تضطرب. الأرواح: الرياح.

<<  <  ج: ص:  >  >>