للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن (١) حمديس

هو عبد الجبار بن حمديس، ولد بمدينة سرقوسة الواقعة شرقى صقلية سنة ٤٤٧ هـ‍/١٠٥٦ م لأسرة على شئ من الثراء والعلم والفضل، واختلف مثل لداته إلى الكتاب فحفظ القرآن الكريم، وتحوّل منه إلى حلقات الشيوخ، ونزعت به ميوله إلى الأدب والشعر، ولم تلبث موهبته الشعرية أن تفتحت، وتكونت له رفقة كانت تأخذ بنصيب غير قليل من اللهو والذهاب إلى الحانات والأديرة لشرب الخمر والمتاع بالغناء. وكانت بلرم قد سقطت فى يد روجار والنورمان، وبدا فى الأفق أنهم يتأهبون للاستيلاء على سرقوسة وغيرها من بلاد الجزيرة، وأخذ يعدّ نفسه-مثل أقرانه-للقائهم برا وبحرا، ونفاجأ به فى نحو الرابعة والعشرين من عمره يصرّ على أن يغادر بلده إلى الأندلس مارا بإفريقية وتميم بن المعز مرورا سريعا وربما كان السبب الحقيقى فى مغادرته بلده لا فرارا من معركة صقلية وسرقوسة مسقط رأسه ضد النورمان، ولكن طلبا للشهرة فى عالم شعرى مزدهر، يأمل أن يتحقق له فيه ما يتمناه لنفسه من مكانة أدبية مرموقة بين شعراء الأندلس الذين كانت أسماؤهم تدوّى فى العالم العربى، ولعله من أجل ذلك اختار النزول بأهم بيئة شعرية فى الأندلس، إذ كان بها أكبر راع للشعر بين أمراء الطوائف، ونقصد المعتمد بن عباد. وحط رحاله فى بلدته إشبيلية سنة ٤٧١ هـ‍/١٠٧٨ م ولزم باب قصره فترة، وبعث إليه ببطاقة شعرية يقول فيها:

أيا مولى الصنع الجميل إذا انتشى ... ويا مسدى النّيل الجزيل إذا صحا

وفى كل أرض من نداه حديقة ... تضوّع مسكا نورها وتفتّحا (٢)

أأفرد بالحرمان من كل عاطل ... تطوّق من نعماك ثم توشّحا (٣)

وما إن قرأ المعتمد البطاقة حتى أعجب به واستدعاه محتفلا باستقباله ومنحه جائزة سنية، وطلب إليه أن يظل فى حضرته، وظل بها يمدحه بقصائد طوال فى مناسبات مختلفة، وكانت إشبيلية فى عهد المعتمد تعيش عيشة لاهية فشارك فى هذه المعيشة وتمتع بمناظرها الطبيعية البديعة، وأتاه نعى أبيه فحزن لوفاته ورثاه بقصيدة باكية استهلها بقوله:


(١) انظر فى ابن حمديس، الخريدة ٢/ ١٩٤ والذخيرة ٤/ ٣٢٠ وابن خلكان ٣/ ٢١٢ والجزء الأول من عنوان الأريب لمحمد النيفر (طبع تونس) بتحقيقه وتقديمه له ودراسة الدكتور إحسان عباس فى كتابه العرب فى صقلية ص ٢٣٥ وديوانه بتحقيقه وتقديمه له.
(٢) تضوع: ذكت رائحته
(٣) تطوق من الطوق وتوشح من الوشاح كناية عن إسباغ نعمه عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>