للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلوة يجعلونه لقيس أو لعشيرة قيسية، وأخرى يجعلونه لقضاعة أو عشيرة يمنية، وقد يشركون بين قبائل متباعدة فى الظاهرة اللغوية الواحدة.

[٥ - سيادة اللهجة القرشية]

يدل ما بين أيدينا من شعر جاهلى دلالة قاطعة على أن القبائل العربية الشمالية اصطلحت فيما بينها على لهجة أدبية فصحى كان الشعراء على اختلاف قبائلهم وتباعدها وتقاربها ينظمون فيها شعرهم، فالشاعر حين ينظم شعره يرتفع عن لهجة قبيلته المحلية إلى هذه اللهجة الأدبية العامة، ومن ثم اختفت جملة الخصائص التى تميزت بها كل قبيلة فى لهجتها فلم تتضح فى شعر شعرائهم إلا قليلا جدا.

وقد اختلفت آراء (١) المستشرقين فى هذه اللهجة التى كان الشعراء يتخذونها لغة لشعرهم، فقال نولدكه إن الاختلافات بين اللهجات فى الأجزاء الأساسية من جزيرة العرب، مثل الحجاز ونجد وإقليم الفرات، كانت قليلة، وقد تركبت منها جميعا هذه اللهجة الفصحى. وتبعه جويدى يقول إنها ليست لهجة معينة لقبيلة بعينها، إنما هى مزيج من لهجات أهل نجد ومن جاورهم. وذهب فيشر إلى أنها لهجة معينة، ولكنه لم ينسبها إلى قبيلة من القبائل. وذهب نالينو إلى أنها لغة القبائل التى اشتهرت بنظم الشعر والتى جمع اللغويون والنحاة من أهلها مادتهم اللغوية وشواهدهم، وهى قبائل معد التى جمع ملوك كندة كلمتها تحت لواء حكم واحد قبل منتصف القرن الخامس الميلادى. وفى رأيه أنها تولدت من إحدى اللهجات النجدية، وتهذبت فى زمن مملكة كندة، وصارت اللغة الأدبية السائدة بين العرب.

ويرى هارتمان وفولرز أنها لهجة أعراب نجد واليمامة وقد أدخل فيها الشعراء تغيرات كثيرة، ومضى فولرز يزعم أن بقية بلاد العرب كانت تتكلم لغة مخالفة، ليصل إلى رأيه الذى سبق أن دحضناه، وهو أن القرآن الشريف نزل بلغة شعبية مكية،


(١) راجع فى هذه الآراء مقالة جواد على عن لهجات العرب قبل الإسلام فى كتاب الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة (نشر مكتبة النهضة فى القاهرة).

<<  <  ج: ص:  >  >>