للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهى خمرية بديعة لعب فيها خيال الناشئ بفكرة ضوء الخمر، فهى تارة تحيل الشمس ظلاما، ونارة ترى وكأنما لا يحملها إناؤها أو قل كأسها الزجاجى.

وهى متناهية فى الرقة حتى لتكاد تتميز من الماء حين يمزج بها، وهى أيضا متناهية فى الصفاء حتى ليرى الجو الصافى كدرا بالقياس إليها، وهى داء ودواء وسقام وشفاء. ونقف عند ثلاثة اشتهروا باللهو والمجون فى العصر. وهم الحسين بن الضحاك وأبو الشبل البرجمىّ وعبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع.

الحسين (١) بن الضحاك

من كبار الخلعاء المجان، ولد بالبصرة ونشأ بها، ثم تركها إلى بغداد لعصر الأمين. وربما قبل عصره، فقد عاش دهرا طويلا، وكان ظريفا، فاتخذه الأمين نديما له، ونادم من بعده المعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر ابنه. وقد جزع جزعا شديدا حين توفى الأمين، ورثاه مراثى كثيرة، وكان مما قال فيه باكيا متفجعا.

هلا بقيت لسدّ فاقتنا ... فينا وكان لغيرك التّلف

قد كان فيك لمن مضى خلف ... فاليوم أعوز بعدك الخلف

فلما جاء المأمون من خراسان إلى بغداد علم بموقفه منه، وأنه طالما نظم أشعارا ضد طاهر بن الحسين قائده فى حرب الأمين كما نظم أشعارا يبكى بها بغداد حين ضربها طاهر بالمجانيق. وكان أشد ما أسخطه عليه البيتان السالفان ودعاؤه فيهما عليه بالتلف، فلما ذكر له فى الشعراء قال: لا حاجة لى به ولا يرى وجهى إلا على قارعة الطريق أى فى مواكبه العامة. وظل لا يقرب القصر طوال خلافة المأمون، بل لقد بارح بغداد إلى البصرة، حتى إذا خلفه المعتصم استقدمه من موطنه وقرّبه منه، فمضى يمدحه وينال جوائزه، وقد أقطعه كما أقطع رجال


(١) انظر فى ترجمة الحسين بن الضحاك وأشعاره ابن المعتز ص ٢٦٨ وتاريخ بغداد ٨/ ٥٤ والأغانى (طبع دار الكتب) ٧/ ١٤٣ ومعجم الأدباء وابن خلكان ومرآة الجنان ٢/ ١٥٦ وشذرات الذهب ٢/ ١٢٣ وأشعار الخليع الحسين بن الضحاك جمع وتحقيق عبد الستار فراج (طبع دار الثقافة ببيروت).

<<  <  ج: ص:  >  >>