حاشيته دارا فى سامرّاء، واتخذه الواثق نديما له، وله فيه مدائح كثيرة، وخلفه المتوكل فسلكه فى ندمائه، وكذلك صنع ابنه المنتصر، وله فيه مدائح مختلفة مثل أبيه، ومن قوله فى تهنئته له بالخلافة:
هنتك أمير المؤمنين خلافة ... جمعت بها أهواء أمة أحمد
وأعجب المنتصر بالقصيدة، فقال له: إن فى بقائك بهاء للملك، ولحق بعده عصر المستعين، وفيه توفى سنة ٢٥١ للهجرة.
وكان يعرف باسم الخليع لكثرة مجونه وعكوفه على الخمر، حتى أصبح اسمه مقرونا باسم أبى نواس أكبر ماجن فى العصر السابق، وهو مثله فارسى الأصل، وكان يصحب فى شبابه، ويبدو أنه تمثل أشعاره تمثلا نادرا وخاصة أشعار الخمر والمجون، حتى اختلط الأمر على القدماء فنسبوا كثيرا من أشعاره إلى أبى نواس، وزعم نفر منهم أن أبا نواس كان يحاكيه فى بعض أشعاره، والصحيح أن الحسين هو الذى كان يحاكى أستاذه وأستاذ الخمر والمجون فى العربية عامة. ويقول ابن المعتز إنه كان أنقى من أبى نواس شعرا وأقل تخليطا منه، وهى ملاحظة صحيحة غاية الصحة، فإن أبا نواس كان يختلط بأبناء الشعب البغدادى من المجّان وغيرهم فى الحانات بالكرخ وغير الكرخ وفى الأديرة، وكان لا يرتفع بلغته وألفاظه عنهم، بل كان يدنو منهم دنوّا شديدا. وكان ينظم كثيرا من خمريّاته فى أثناء سكره، فبدا فى أشعاره تخليط كما لاحظ ابن المعتز، فهو تارة يرتفع حين ينظم فى مجلس الأمين أو فى مجلس بعض الوزراء والنابهين، وتارة يسفّ حين ينظم فى مجالس العامة، وخاصة حين يخاطب غلمان الحانات وكانوا أخلاطا من الفرس ممن لا يحسنون العربية الفصيحة. أما الحسين فكان فى جمهور حياته يعيش فى قصور الخلفاء والوزراء وأبنائهم، فكان يعنى أشد العناية بلغته وألفاظه، ولا يكتفى فيها بالفصاحة بل يطلب أيضا الرصانة والجزالة حينا، وحينا العذوبة والنعومة وما يلائم الأذواق الرفيعة فى المجتمع، لذلك قل التخليط عنده كما يلاحظ ابن المعتز، بل كاد ينعدم انعداما، ولذلك أيضا شاع فى أشعاره النقاء والصفاء إذ كان يطلب فيها دائما أن تلذ الأسماع والأفئدة. وظاهرة ثانية يختلف فيها عن أستاذ المجون والخمر فى عصره هى شئ من الحشمة المصطنعة فى مجونه، فهو لا يذيع فيه ما يذيعه