للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو نواس من الفحش، لأنه كان يعيش فى أوساط الخلفاء والوزراء وأبنائهم، فكان يحتشم وقلما يعلن أنه يقترف إثما منكرا، أما أبو نواس فلم يكن يعرف شيئا من الحشمة ولا كان يخفى شيئا من آثامه. وليس معنى ذلك أن الحسين كان أقل من أبى نواس مجونا وشغفا بالخمر، فقد كان مثله مفتونا بها فتنة شديدة، وكان يطلبها فى الحانات وفى الأديرة وكان دائم الاختلاف إليها، ومن طريف ما نظمه فى دير سابر بقرب بغداد وخمره المعتقة قوله:

وعواتق باشرت بين حدائق ... ففضضتهنّ وقد حسن صحاحا (١)

اتبعت وخزة تلك وخزة هذه ... حتى شربت دماءهن جراحا

أبرزتهنّ من الخدور حواسرا ... وتركت صون حريمهنّ مباحا

وهو يصور فتنته بزقاق الخمر الممتلئة التى لم يمسسها أحد قبله، وقد ضحكت الطبيعة فى دير سابر من حوله، وهو يفتح الزقاق ويشرب من دمائها أرطالا. وكان يختلف إلى ديارات العراق عامة، وله فى دير سرجس بالقرب من الكوفة قصيدة بديعة، يقول فيها:

أخوىّ حىّ على الصّبوح صباحا ... هبّا ولا تعدا النديم رواحا

مهما أقام على الصّبوح مساعد ... وعلى الغبوق فلن أريد براحا (٢)

عودا لعادتنا صبيحة أمسنا ... فالعود أحمد مغتدى ومراحا

هل تعذران بدير سرجس صاحبا ... بالصّحو أو تريان ذاك جناحا

إنى أعيذكما بألفة بيننا ... أن تشربا بقرى الفرات تراحا (٣)

عجّت قواقزنا وقدّس قسّنا ... هزجا وأصخبنا الدّجاج صياحا (٤)

وهو يتلطف إلى صاحبيه فى آخر الليل ويدعوهما أن يتناولا معه الصبوح كما تناولاه بالأمس، ويعذراه ولا يريا فى ذلك جناحا ولا إثما، ويستحلفهما بما


(١) العواتق: زقاق الخمر.
(٢) الصبوح: شرب الصباح، والغبوق: شرب الماء.
(٣) الماء القراح: الماء الصافى.
(٤) القواقز: القداح. وقدس القس: رتل بعض التراتيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>