للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجناس مقبول فى البيت الثانى، وربما الذى جعله مقبولا أن كلمة «كفىّ» هّيأت له واستدعته، فخفّ التكلف فيه، ولم تمجّه النفس، ومثله قوله:

ماذا عليه لو أباح ريقه ... لقلب صبّ يشتكى حريقه

والجناس هنا بين «ريقه» و «حريقه» مقبول لأنه ليس جناسا تاما يبدو فيه القصد والتكلف، وكأنه جناس طبيعى استدعاه الكلام، وقارن ذلك بقوله:

صدف الحبيب بوصله ... فجفا رقادى إذ صدف

ونثرت لؤلؤ أدمع ... أضحى لها جفنى صدف

فقد جانس بين قافيتى البيتين باستخدامه كلمة «صدف» الأولى بمعنى أعرض، والثانية بمعنى غشاء اللؤلؤة، والتكلف شديد الوضوح. وكثيرون غيره من معاصريه كانوا يذهبون مذهبه فى هذا الجناس الثقيل الذى كثيرا ما تقابل فيه كلمتان كلمة واحدة، ويقرب منه فى هذا التصنع بل ربما زاد عليه وأربى أبو الحسن أحمد (١) بن المؤمل، وقد روى له منه الثعالبى أبياتا كثيرة فى الغزل وغير الغزل. وللميكالى وراء غزله أشعار فى وصف الطبيعة وفى الإخوان، وله مداعبات، ولا يخليها أيضا من تصنعه، كقوله:

فتى سخط النّصب فى قدره ... كما رضى الخفض فى قدره

وقد تصنع لذكر النصب والخفض المعروفين فى النحو، وأراد أنه لا ينصب قدره ولا يدع فيها شيئا يطبخ، كما رضى بالدون فى قدره فلا كرم له ولا همة. ومن طريف ما روى له الثعالبى قوله:

كم والد يحرم أولاده ... وخيره يحظى به الأبعد

كالعين لا تبصر ما حولها ... ولحظها يدرك ما يبعد

ولعل فيما قدمنا ما يدل على شاعرية أبى الفضل الميكالى، ولو لم يثقلها بكلف الجناسات لبدا خصبها واضحا، إذ كان غزير المعانى والصور. وليس من ريب فى أن إعجاب الشعراء والأدباء من حوله بجناساته هو الذى جعله يبالغ فى ذلك ويغلو فيه.

[٢ - شعراء اللهو والمجون]

كان شعر اللهو والمجون منتشرا فى إيران طوال العصر، إذ كان هناك من ينغمسون فى الملاهى والخمور إما لتحلل الأخلاق وإما هروبا من مآسى الحياة وما فيها من اضطراب


(١) انظر فى ترجمته فى اليتيمة ٤/ ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>