للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيم، وكان يتورط فيها كثيرون من رجال الدولة: سلاطينها ووزرائها. ومرت بنا أبيات لعضد الدولة فى غير هذا الموضع يقول فيها إن متاع الحياة إنما هو الشرب فى المطر وغناء الجوارى فى السحر. وكان وزراؤه على شاكلته يعكفون على الخمر ويتغنون بها فى أشعارهم من مثل قول الصاحب بن عباد فى وصف كأس مملوءة بالخمر (١).

رقّ الزجاج وراقت الخمر ... وتشابها، فتشاكل الأمر

فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر

وكان كثيرا ما يحاكى الصّنوبرى فى ثلجياته أو بعبارة أخرى فى ذكره الخمر مع الثلج ونزوله فى الشتاء القارس وفى ذلك يقول (٢):

أقبل الثلج فانبسط للسرور ... ولشرب الكبير بعد الصغير

أقبل الجوّ فى غلائل نور ... وتهادى بلؤلؤ منثور

فكأنّ السماء صاهرت الأر ... ض فصار النّثار من كافور

وكأنما يتصور الدنيا تجلو عروسا. وتتكاثر هذه الثلجيات عند غيره من شعراء العصر، فقد أكثروا من وصف شرب الخمر واحتسائها فى أيام الثلج وزمهريره، ومعروف أن العكوف على الخمر قديم فى إيران منذ أعتق عصورها، وظل ذلك طوال الحقب، ويقول أبو عبد الله الروزبارى (٣):

ما لابن همّ سوى شرب ابنة العنب ... فهاتها قهوة فرّاجة الكرب

أدهق كئوسك منها واسقنى طربا ... على الغيوم فقد جاءتك بالطّرب (٤)

نثار غيث حكى لون الجمان لنا ... فاشرب على منظر مستحسن عجب

جاد الغمام بدمع كالّلجين جرى ... فجد لنا بالتى فى اللون كالذهب

فهى فرحتهم ومسرتهم فى دنياهم، وهم يعبّون منها أرطالا تلو إرطال حين يكفهر الجو بالسحب، لما تبعث فى النفوس من طرب فى أيام الشتاء المفضّضة، التى تتناثر فيها الأمطار، وكأنها نثار عرس مفرح، نثار فضىّ مبهج، ويقول أبو المظفر ناصر بن منصور البستى المعروف بالغزّال (٥):

وإذا الهموم تطاولت فاطلب لها ... عيشا هنيئا بانتزاع مدام

صهباء تسطع فى الكئوس كأنها ... نار تجيش بوقدة وضرام

من كفّ ساق لو سقاك بكفّه ... سمّا لكان شفا لكل سقام


(١) النجوم الزاهرة ٤/ ١٧١.
(٢) اليتيمة ٣/ ٢٦١.
(٣) اليتيمة ٣/ ٤١٦.
(٤) أدهق املأ.
(٥) الدمية ٢/ ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>