للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلف القدماء فى السنة التى توفى فيها، فقيل سنة إحدى وعشرين ومائتين وقيل بل سنة إحدى وثلاثين، وأكبر الظن أن حياته لم تمتد إلى السنة الأخيرة.

[٥ - شعراء النزعات الشعبية]

لعلنا لا نغلو إذا قلنا إن الشعر العباسى كان يصدر فى جمهوره عن روح الشعب، فقد كانت كثرة الشعراء من الطبقة العامة، وكانوا يحملون فى صدورهم أحاسيسها ومشاعرها وإذا كان بدا فى مديحهم للخلفاء والوزراء أنهم ينفصلون عنها فإنه انفصال فى الظاهر، إذ كانوا ما يزالون يضعون نصب أعينهم مثالية الحاكم التى تتطلبها الأمة والتى رسمها لها الدين الحنيف. وكانوا فى جوانب من هذا المديح ونقصد مديح القواد المظفرين يعبرون عن الحماسة المشتعلة فى صدور الشباب للقضاء على أعدائهم من البيزنطيين وغير البيزنطيين. فحتى المديح لم يبعد عن روح الشعب، وكان الهجاء يصدر فى وضوح عن هذه الروح، إذ مثل الشعراء فيه الخصال السيئة التى ينبغى أن يتطهر منها المجتمع، سواء فى الأفراد العاديين أو فى الحكام، ولعل ذلك هو الذى كان يشيعه على جميع الألسنة.

وخذ الصورتين الأساسيين للمجتمع صورة الترف وما يطوى فيه من مجون وصورة الشظف وعيشة الكفاف وما يطوى فيها من زهد فستجدهما مجسمتين أقوى ما يكون من تجسيم، فحياة الحانات والقيان والأديرة وكل ما فى المجتمع من لهو ومواسم للهو، ونقصد الأعياد الإسلامية والمسيحية والمجوسية، كل ذلك مصور فى شعر الشعراء، وبالمثل حياة الزهد والتقوى والعمل الصالح وكانت أكثر شيوعا من حياة اللهو والمجون، مما جعل أشعار الزهد تجرى على كل لسان، وفى الأغانى خبر يصور ذلك أدق تصوير، إذ يروى أن الملاحين فى دجلة كانوا يتغنون فى نزهة للرشيد بقطعة زاهدة لأبى العتاهية تمثلنا ببعض أبياتها فى غير هذا الموضع وفيها يقول (١):


(١) أغانى ٤/ ١٠٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>