للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيصير المرء يوما ... جسدا ما فيه روح

كلنا فى غفلة وال‍ ... موت يغدو ويروح

لتموتنّ وإن عمّ‍ ... رت ما عمّر نوح

ومرت بنا فى ترجمة أبى العتاهية قطعة يشكو فيها لبعض الخلفاء من ارتفاع الأسعار، وهو يعبر فيها عما كانت تعيش فيه طبقات الشعب الدنيا من ضنك وبؤس، وكانت الأموال حينئذ موزعة توزيعا غير عادل، فالخلفاء والوزراء وحواشيهما يعيشون فى الحلية والزينة وكل ما يمكن من أسباب الترف ووسائل النعيم، ويمدون من حولهم ومن يحفون بهم من المغنين والشعراء والعلماء والأتباع بكثير من هذه الوسائل والأسباب، ويثرى بعض التجار ثراء فاحشا. وتجثم فى البؤس والمسغبة كثرة الشعب التى كانت لا تجد يدا تمتد إليها وتخمد نار الفقر والضنك المشتعلة بين طبقاتها ولا من يبرد جوانحها، ويطعم الجائع فيها ويكسو العارى ويسقى الظمآن. وتلقانا أحاسيس هذه الطبقات التعسة مصورة عند شعراء الكدية الذين كانوا يشبهون طوائف الأدباتية التى كانت تنبثّ عندنا لأواخر القرن الماضى فى المواسم والموالد والاحتفالات العامة، ومن خير من يمثلهم أبو فرعون الساسى، وقد أنشدنا له قطعة يصور فيها بؤسه وبؤس أولاده فى الفصل الرابع وكيف يعيشون عراة جائعين، ولا من مشفق ولا رحيم، وله يصور بؤسه وفقره (١):

ليس إغلاقى لبابى أنّ لى ... فيه ما أخشى عليه السّرقا

إنما أغلقه كى لا يرى ... سوء حالى من يجوب الطّرقا

منزل أوطنه الفقر فلو ... دخل السارق فيه سرقا

ومن الشعراء الذين عاشوا فى ضنك وحرمان أبو المخفّف وكان فى أيام المأمون.

وكان يدور فى بغداد يسأل الناس رغيفا أو كسرة خبز، وله أشعار مختلفة فى وصف الرغيف وكيف كان كلّ همه من الحياة وهم أمثاله من البؤساء الذين يعيشون على الكسر اليابسة يتبلّغون بها، وهو لذلك يجعله موضع شعره من مثل قوله (٢):


(١) ابن المعتز ص ٣٧٧.
(٢) كتاب الورقة لابن الجراح ص

<<  <  ج: ص:  >  >>