للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخطّ وأمحو ما أخطّ بعبرة ... تسحّ على القرطاس سحّ ذنوب (١)

أيا فوز لو أبصرتنى ما عرفتنى ... لطول نحولى بعدكم وشحوبى

وأنت من الدنيا نصيبى فإن أمت ... فليتك من حور الجنان نصيبى

أرى البين يشكوه المحبون كلهم ... فياربّ قرّب دار كلّ حبيب

وعادت، وعاد له عذابه بها كما لم يتعذب أحد، وقد ظل يهتف باسمها وحبها حتى وافته منيته سنة مائة واثنتين وتسعين. ويقال إنه خرج مع غلام له إلى بعض الرياض، وقد اعتراه ضعف شديد، فاستلقى تحت شجرة ورفع طرفه، وهو لا يكاد يرفعه ضعفا، وأنشأ يقول:

يا سقيم الجسم من محنه ... مفردا يبكى على شجنه

كلما جدّ البكاء به ... دبّت الأسقام فى بدنه

ثم أغمى عليه، وأقبل طائر فوقع على الشجرة، وجعل يغرّد، فسمع تغريده، وفتح عينيه، وقال:

ولقد زاد الفؤاد شجى ... طائر يبكى على فننه

شفّه ما شفّنى فبكى ... كلّنا يبكى على سكنه

ثم تنفس تنفسا مديدا فاضت فيه نفسه.

وواضح من كل ما قدمنا أن غزل العباس عذرى طاهر نقى وأنه يمتاز بجزالة اللفظ مع عذوبته كما يمتاز بغزارة المعانى والخواطر حتى لكأنما يستمد من معين فى نفسه لا ينضب. وكان يعمد أحيانا إلى شئ من صور البديع، غير أنها تأتى عفوا، ولا تؤثر أى تأثير فى قوة العاطفة وانطلاقها كالسيل المندفع.

ربيعة الرّقى (٢)

هو ربيعة بن ثابت، من أهل الرّقّة، بها مولده ومنشؤه، وكان ضريرا، وتفتحت شاعريته مبكرة، فأخذ شعره يشيع، حتى رقى إلى سمع المهدى،


(١) الذنوب: الدلو المملوءة.
(٢) انظر فى ربيعة وأخباره وأشعاره ابن المعتز ص ١٥٧ والأغانى (طبعة دار الكتب) ١٦/ ٢٥٤ ومعجم الأدباء ١٠/ ١٣٤ ونكت الهميان ص ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>