وتكثر فى أشعاره الحكم وربما كان يأتسى فيها وفى غزله بالأعرابيات البدويات بالمتنبى.
وربما كان يأتسى به أيضا فى شكواه الكثيرة من الدهر وما يصبّه عليه وعلى الناس من فواجع وكوارث. وفى ديوانه بعض مخمسات طريفة، وله لامية كلامية كثيرّ يلتزم فى نهايتها أو قافيتها اللام قبل التاء، ولكن من الحق أنه لم يكن متصنعا فى أشعاره ولا متكلفا، وكأن ما وهبه من ملكة شعرية أصيلة حال بينه وبين التكلف والتصنع ودفعه دفعا إلى أن تكون أشعاره سلسة سائغة.
علىّ بن المقرّب العيونى (١)
شاعر من أسرة العيونيّين حكام الأحساء والبحرين من سنة ٤٦٦ إلى سنة ٦٣٣ وقد ولد سنة ٥٧٢ وعاش نحو ستين عاما إذ توفى سنة ٦٣١ وديوانه يصور ثقافة لغوية وأدبية وإسلامية، وهو يمتلئ بإشارات تاريخية، إذ كثيرا ما يذكر تاريخ العرب القديم وأيامهم وملوكهم وملوك الفرس الأولين. ومما يدل على ثقافته الأدبية واتساعها كثرة معارضاته لقصائد المتنبى والشريف الرضى ومهيار، مما يؤكّد أنه أكبّ على دواوين الشعراء النابهين وخاصة هؤلاء الثلاثة يتزود منها ويتخلّق فيها. ويبدو أن الشعر جرى على لسانه فى باكورة حياته، وسرعان ما قدمه إلى أمير أسرته محمد بن أبى الحسين (٥٨٤ - ٦٠٣) وهو أهم أمراء الأسرة العيونية جميعا، وقد شمل سلطانه البحرين بمدنها مثل القطيف والأحساء وجزرها مثل أوال التى يطلق عليها الآن اسم البحرين. ودانت له قبائل نجد الشرقية، ولعل ذلك ما جعل الخليفة الناصر لدين الله (٥٧٥ - ٦٢٢ هـ) يعهد إليه بخفارة الحجاج من العراق إلى مكة ذهابا وإيابا معه رسم سنىّ فرضه له. وفيه يقول على بن المقرب:
رماح الأعادى عن حماك قصار ... وفى حدّها عما تروم عثار
وكلّ امرئ ليست له منك ذمّة ... يضام على رغم له ويضار
فعش فى عظيم الملك مالاح كوكب ... وأظلم ليل أو أضاء نهار
ويحدث أن تفكر طيئ فى قطع الطريق على الحجاج سنة ٥٩٨ فينكل بها تنكيلا شديدا، ويشيد ابن المقرب ببسالته فى الحرب وانتصاره. وتضع بعض قبائل الشام يدها فى يد طيئ وتحاول الإغارة على الحجاج، فيمزقهم محمد بن أبى الحسين شر ممزق. ويعم الأمن ربوع البحرين ونجد الشرقية جميعا، غير أن يدا آثمة تمتد إلى هذا الأمير الشجاع،
(١) انظر ترجمته فى ساحل الذهب الأسود ص ٢٣٢ وتحفة المستفيد بتاريخ الأحساء فى القديم والجديد ومقدمات طبعات ديوانه وقد طبع فى الهند ودمشق والقاهرة. وراجع مقالالنا عنه فى مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الجزء الثامن والثلاثين.