للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتغتاله، ويبكيه شاعره ويندبه ندبا حارّا بمثل قوله:

ليبك العلا والمجد والبأس والنّدى ... لقد صلّ واديها وجفّت مسايله (١)

وتندبه البيض الصوارم والقنا ... لما أنهلتها كفّه وأنامله

لقد منيت منه الأعادى بثائر ... همام أبى أن يحمل الضّيم كاهله

وطبيعى أن لا تفتح أبواب قاتليه الذين خلفوه فى دست الحكم لابن المقرّب، بل لقد زجّوا به فى السجن وصادروا أمواله، وردّت إليه حريته وخرج من السجن فرحل إلى العراق، ونزل البصرة ومدح حاكمها باتكين بن عبد الله الرومى فى سنة ٦٠٥ ودخل بغداد ومدح الخليفة الناصر، وتعرّف على بعض علمائها وأدبائها. ورأى العودة إلى موطنه وأن يحمل معه طائفة من أعمدة الحديد للاتجار فيها، وألمّ بواسط فى طريقه فطالبه ابن الدبيثى ضامن المكوس بضريبة كبيرة بلغت نصف ثمن بضاعته، فصبّ عليه جام هجائه بمثل قوله:

يا بن الدّبيثىّ اللعين لقد ... رمت المحال فغصت فى بحر

خنت الخليفة فى رعيّته ... وعصيته فى السرّ والجهر

ومر بالبصرة فطالبه ضامن المكس بها ببعض الضرائب، أو بالضريبة المقررة، فاستجار منه بممدوحه باتكين أمير البصرة، وينشده مدحة طويلة يقول فيها:

يا شمس دين الله كم لك من يد ... يثنى بها باد ويشهد حاضر

ادفع بجاهك أو بمالك منعما ... عنّى فمالك للعفاة ذخائر

ويعود إلى موطنه ويقدم مدائحه إلى أمير الأحساء محمد بن على بن عبد الله الذى ردّ إليه حريته، ويأمل أن يرد عليه أمواله وبساتينه، ولكنه لا يرد عليه شيئا. ويحدث أن ينهض الفضل بن الأمير محمد بن أبى الحسين بأخذ الثأر لأبيه من قتلته، ويصبح الحاكم العام للبحرين، ويقدّم إليه على بن المقرب مدائح كثيرة، ولا يحظى منه بشئ أو بما كان يأمله. وسرعان ما يثور عليه ابن أخيه على بن ماجد، وتثور معه البحرين لتوقيعه معاهدة بينه وبين أمير جزيرة كيش تنازل له فيها عن بعض جزر البحرين، مع تقديم خمسمائة دينار له سنويّا، ويفرح الشاعر بهذه الثورة ويدبج فى على بن ماجد مدائح كثيرة من مثل قوله:

أضحت بك الأحساء ساكنة وقد ... رجفت بمن فيها وكادت تقلب

وملأتها عدلا وكانت عمّمت ... جورا تغور به الدّيار وتخرب


(١) صل: أجدب.

<<  <  ج: ص:  >  >>