للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويثور مقدم بن غرير العيونى، ويستخلص حكم البحرين لنفسه بمساعدة بعض عشائر عبد القيس النجدية. ويئس ابن المقرب لما صارت إليه أداة الحكم، فأبناء الأسرة يتحاربون، والحكم يفسد ويضعف. ويولّى وجهه نحو العراق ويمتدح باتكين والى البصرة والخليفة ببغداد فى سنتى ٦١٣ و ٦١٤. ويعود إلى موطنه، وقد أصبح زمام الحكم بيد محمد بن مسعود، ويمتدحه ويمتدح أخاه الفضل على بن مسعود الذى تحولت إليه مقاليد الأمور بعده، بمثل قوله:

رفعت عماد المجد من بعد ما وهى ... ورثّ وأضحى ركنه وهو مائل

وقمت بأحكام الشريعة فاستوت ... لديك ذوو الأجبال: طىّ ووائل

ويترك البحرين إلى العراق فى سنة ٦١٧ ويمتدح باتكين فى طريقه إلى بغداد ويمتدح الخليفة الناصر، ويوغل فى رحلته إلى الشمال حتى الموصل وديار بكر ويمتدح بدر الدين لؤلؤا مدبّر الحكم فيها لسلطانها القاهر بن نور الدين أرسلان شاه، وفيه يقول:

أرسى قواعد ملك لو يدبّره ... كسرى وإسكندر أعيتهما الحيل

ويمد رحلاته إلى الملك الأشرف موسى بن العادل الأيوبى صاحب حرّان وديار الجزيرة، ويشيد ببلائه مع أخيه سلطان مصر الكامل فى قتال الصليبيين بدمياط وسحقهم سحقا ذريعا حين أغاروا عليها فى السنوات ٦١٥ - ٦١٨ وفيه يقول من مدحة طويلة:

سل الكفر من أوهى بدمياط كفره ... وقصّر أعلى فرعه وهو باسق

وقد جاءت الإفرنج من كلّ وجهة ... كأنّ تداعيها السيول الدوافق

فولّوا فمكبوب على أمّ رأسه ... لدن ذاك لم ينفق وآخر نافق (١)

ويعود ابن المقرب إلى موطنه، فيجد أداة الحكم قد أصابها فساد لا صلاح لها بعده، إذ وضع أمير البحرين الفضل البلاد تحت تصرف البدو من بنى عقيل، فأفسدوا زروعها وثمارها، حتى أصبح البستان الذى تبلغ قيمته مائتى دينار يباع بدينار واحد أو يثوب أو بشاة، ويأسى لذلك فى شعره أسى عميقا. وشعر ابن المقرّب يعدّ بحق سجلاّ تاريخيّا لأسرته وحكمها البحرين، فكل من عاصرهم صوّر حكمهم وأحوال البلاد فى أيامهم، وله قصيدة ميمية سجّل فيها تاريخ أسرته منذ مؤسسها الأول حتى زمنه، مفاخرا مباهيا، وفيها يفخر بأن جده عبد الله بن على قضى على القرامطة وما أذاعوا فى البلاد من عقيدتهم الفاسدة، يقول:

سل القرامط من شظّى جماجمهم ... فلقا وغادرهم بعد العلا خدما (٢)


(١) ينفق: يهلك.
(٢) شظى: حطم.

<<  <  ج: ص:  >  >>