للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن (١) سودون

هو على بن سودون أكبر شخصية شعبية فكهة فى القرن التاسع الهجرى عنى فى بواكير حياته بحفظ القرآن الكريم وتحصيل العلوم والمعارف حتى أصبح شيخا فقيها، وعيّن إماما بأحد المساجد فى القاهرة، وكان فيه ميل متأصل إلى الفكاهة والهزل وقدرة على نظم الأشعار الهازلة الفكهة، فشغف الناس به، وتنافسوا فى رواية أشعاره ودعاباته. ولم يلبث أن عنى بجمعها وأضاف إليها بعض حكايات فكهة مكونا من ذلك كتابه أو ديوانه: «نزهة النفوس ومضحك العبوس» وجعله فى خمسة أبواب: الباب الأول فى القصائد والتصاديق، ويقصد بالتصاديق مقدماتها وهى قصائد نظمت بالفصحى، والباب الثانى فى الحكايات الملافيق وواضح من اسمه أنه أقاصيص قصيرة، والباب الثالث فى الموشحات الهبالية كما يقول وهى بالعامية ومثل هذا الباب باب الزجل والمواليا التالى فهو أيضا عامى اللغة. أما الباب الخامس فجعله للطرف العجيبة والتحف الغريبة، وكأن البابين الثالث والرابع هما الخاصان بالشعر الشعبى العامى وإن كانت العامية عنده تتسرب إلى الباب الأول: باب القصائد، ومن الطريف أن عاميته شعرا ونثرا تقترب جدا من عاميتنا الحديثة، وقد يكون فى ذلك ما يشير إلى أن مصر بلد محافظ. وبدون ريب يصور ابن سودون فى كتابه مزاج المصريين الفكه. وفكاهته تقوم على ضروب من المفارقة المنطقية.

تجعلك تشعر بغير قليل من فقدان التوازن على شاكلة قوله فى وصف الربيع وجمال طبيعته:

إلى الربيع أرى الأهواء تلوينى ... لما بدا زهره فى حسن تلوين

قد عطّر الأرض نشر الفول حين سرت ... نسيمة سحرا منه تحيّينى

كأن زهرته أمّ الخلول إذا ... فلقتها فوق نعناع بصحنون

وكاد يشبه تاج القمح بامية ... لولا شعور كأعراف البراذين (٢)

واعجب من الماء وسط البحر كيف غدا ... يمشى بلا قدم سحبا على الطّين

مسلسلا قد جرى يا صاح منطلقا ... فاعجب لمن جمع الضّدّين فى حين


(١) انظر فى ابن سودون شذرات الذهب ٧/ ٣٠٧ ومقالين لنا فى تحليل ديوانه بمجلة الكاتب العددين رقم ١٠، ١٢ وراجع كتابنا الفكاهة فى مصر ص ٦٧ وديوان نزهة النفوس ومضحك العبوس مطبوع فى القرن الماضى وطبع حديثا.
(٢) البراذين: جمع برذون وهو البغل.

<<  <  ج: ص:  >  >>