ومن يراه يتحدث عن الربيع والزهر فى البيت الأول يظن أنه سيستمر فى الحديث عن الجمال الهاجع فى الطبيعة وأزهارها وورودها ورياحينها، وإذا هو يسقط به إلى النشر الفائح من نبات الفول وإلى زهره الذى يشبه صدفة أم الخلول التى يطعمها المصريون واضعين على الخلول النعناع والبهارات. أما القمح فتشبه سنابله البامية: الخضار المعروف، لولا ما يتدلّى من سنابله من شعور كأعراف البغال والخيل. ويعجب عجبا لاحد له من جريان الماء على الطين، ويسمى الماء مسلسلا إذا جرى منحدرا. ويستغل الكلمة ابن سودون إذ لها هذا المعنى ومعنى ثان من السلسلة بمعنى مقيدا بالسلاسل.
ونحن فى أثناء ذلك كله نضحك، لما أصاب توازننا المنطقى من اختلال، وكأنما الأشياء تهوى أمامنا من حالق. ومن ذلك قوله.
عجب عجب هذا عجب ... بقرا تمشى ولها ذنب
ولها فى بزيّزها لبن ... يبدو للناس إذا حلبوا
من أعجب ما فى مصر يرى ال ... كرم يرى فيه العنب
والنّخل يرى فيه بلح ... أيضا ويرى فيه رطب
والمركب مع ما قد وسقت ... فى البحر بحبل تنسحب
والناقة لا منقار لها ... والوزّة ليس لها قتب
وحين نقرأ قوله عجب، نظن أنه سيعرض علينا بعض العجائب فإذا هو يعرض بديهيات غاية فى البداهة، فى صورة مغرقة من التباله. ونحس كأن عدوانا أصاب منطقنا أو وقع عليه، فالبقرة تمشى ولها ذنب وضرع مملوء لبنا، وشجر الكرم يحمل العنب، وعلى النخل البلح بسرا ورطبا، والملاحون يجرّون بحبالهم المركب الموسوق، والناقة لا منقار لها وكأنه كان يظنها بجسمها الضخم من الطير. ويظن الإوزة من الإبل تمشى على أربع، ويتساءل عن قتبها أو رحلها. وكل هذه مفارقات تعتدى على منطقنا فنفقد توازننا ونستغرق فى الضحك لهذا الهزل الذى يلغى فيه المنطق السديد إلغاء.
ومن طريف هزل ابن سودون ومفارقاته المنطقية المتناهية فى الإضحاك. وصفه لحفل زواجه وقبح زوجته على هذا النمط:
حلّ السرور بهذا العقد مبتدرا ... ونجم طالعه بالسّعد قد ظهرا