أخذ خلفاء صلاح الدين يستكثرون من شراء المماليك الترك وجلبهم من أواسط آسيا وتكوين فرق عسكرية منهم فى جيوشهم، وأكثر منهم خاصة السلطان نجم الدين أيوب، وكأن الأيوبيين لم يتعظوا بما كان من هؤلاء الترك فى العصر العباسى الثانى واستيلائهم على مقاليد الحكم فى بعض الولايات الكبرى كما حدث فى مصر نفسها لعهد أحمد بن طولون والإخشيد التركيين. وما إن توفى السلطان نجم الدين أيوب وخلفه ابنه توران شاه حتى استولى المماليك على صولجان السلطان باسم شجرة الدر التركية، وسرعان ما أسلمت الحكم والسلطان-كما مرّ بنا آنفا-إلى عز الدين أيبك قائدهم. وظل المماليك من هذا التاريخ وهو سنة ٦٤٨ يحكمون مصر إلى الفتح العثمانى سنة ٩٢٢ فى مجموعتين كبيرتين تسمى أولاهما المماليك البحرية نسبة إلى نهر النيل الذى كان يحيط بجزيرة الروضة مسكنهم الذى أنزلهم فيه السلطان نجم الدين أيوب. وكانوا يستكثرون من شراء المماليك وينزلونهم فى أبراج القلعة حيث يربّون تربية عسكرية جيدة، ويسمون نسبة إلى مسكنهم المماليك البرجية، وهم المجموعة الثانية التى خلفت المماليك البحرية فى حكم مصر منذ سنة ٧٨٤.
تولى عز الدين أيبك شئون مصر سنة ٦٤٨ ورأى كما أسلفنا أن يشرك معه فى الحكم الملك الأشرف موسى محاولة لكسب رضا الأيوبيين فى الشام ولكنهم ظلوا مغاضبين له، وأخذوا فى حربه، حينئذ رأى أن يتخلص من الأشرف موسى، وحدثت حروب ومناوشات بينه وبين الأيوبيين، وارتضوا أخيرا أن تكون له مصر وفلسطين حتى نهر الأردن، غير أن شجرة الدر زوجته
(١) انظر فى المماليك السلوك والخطط للمقريزى والمختصر فى أخبار البشر لأبى الفدا والبداية والنهاية لابن كثير وتاريخ ابن خلدون والنجوم الزاهرة الجزء السابع وما بعده من أجزاء وبدائع الزهور لابن إياس والتبر المسبوك فى ذيل السلوك للسخاوى ومجالس السلطان الغورى وآخرة المماليك لابن زنبل وتشريف الأيام والعصور فى سيرة الملك المنصور (طبع القاهرة) وتاريخ الدول والملوك لابن الفرات (طبع بيروت) وغزوات قبرص ورودس للسيوطى (طبع فينا) والدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة لابن حجر والضوء اللامع للسخاوى ودولة الظاهر ودولة بنى قلاوون لجمال الدين سرور والعصر المماليكى لسعيد عبد الفتاح عاشور وبروكلمان ص ٣٦٥ وما بعدها.