إلى الشام فى سنة ٦٤٢ واستولى على بيت المقدس من الصليبيين وأفناهم قتلا وأسرا، واسترد دمشق، وعادت له مملكة جده العادل بكاملها حتى حلب والموصل والجزيرة. وبينما كان فى دمشق سنة ٦٤٧ مرض فى أولها، وبينما هو مريض علم بغزو الصليبيين لدمياط بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا الملقب بالقديس، وأنهم أحاطوا بدمياط من جميع جوانبها وسقطت فى أيديهم وأنهم خرجوا منها فى اتجاه مدينة المنصورة، فصمم على لقائهم والمرض يثقل عليه وحمل إلى مصر فى محفّة، وزحف بجيشه مسرعا إلى تلك المدينة ولم يمهله المرض بها، فمات ميتة الشهداء مجاهدا فى سبيل الله. وأخفت زوجته شجرة الدر وفاته حتى يحضر ابنه الملك المعظم توران شاه من الجزيرة شرقى الشام، وأخذت له البيعة بالسلطنة وهو غائب، وقدم إلى المنصورة وأدار بمجرد قدومه فى أول المحرم لسنة ٦٤٨ معركة حاسمة مع الصليبيين مزّقهم فيها شر ممزق، وكانوا بوسط الطريق بين دمياط والمنصورة، فقتل منهم بضعة آلاف وأسر أكثر من عشرين ألفا بينهم لويس التاسع، وحملته إلى المنصورة مركب فى النيل تضرب فيها الصنوج والطبول بينما الأسرى يجرّون بالحبال على ضفتى النهر والمصريون يهللون ويكبرون من حولهم. ويسجن لويس فى المنصورة بدار ابن لقمان كاتب الإنشاء. ومن عجب أن يكافأ توران شاه على هذه الموقعة الباسلة التى قضى فيها قضاء مبرما على أكبر حملة صليبية وجّهت إلى مصر باغتيال مماليك أبيه له، وكان لويس لا يزال فى الاعتقال فافتدى نفسه وفلول حملته بأموال وفيرة، وعاد إلى بلاده خاسئا ذليلا.
واجتمع رأى المماليك على تولية شجرة الدر الملك بعد توران شاه، وكانت جارية تركية اشتراها السلطان نجم الدين أيوب وأعتقها وتزوجها، وكانت راجحة العقل حسنة السيرة جيدة التدبير، فاتفق المماليك على أن تلى شئون السلطنة، وتم أمرها، غير أن الأيوبيين فى الشام سرعان ما خرجوا عليها، فانتقضت الوحدة التى انعقدت بين الشام ومصر منذ انقرض الحكم الفاطمى ولم يمض على سلطنتها نحو ثمانين يوما، وأحسّت بحرج الموقف، فرأت التزوج من عز الدين أيبك أتابك العسكر وأن تتحول مقاليد السلطنة إليه. وحاول-خداعا للأيوبيين فى الشام-أن يشرك معه فى الحكم صبيّا أيوبيّا هو الملك الأشرف موسى، وكان فى السادسة من عمره، ولكنه عاد فتخلص منه. وعلى هذا النحو تحول ملك الديار المصرية فى سنة ٦٤٨ من الأيوبيين إلى المماليك وقائدهم أيبك، ولا ريب فى أن عهد الأيوبيين كان من أعظم العهود بمصر، فقد نهضوا بها نهضة عظيمة واستطاعوا بجنودها أن يقهروا الصليبيين ويزيحوهم عن صدر الشام، ويردوهم عن ثراها وحماها إلى البحر المتوسط وما وراءه.