غرة شهر ربيع الأول كل عام حتى اليوم الثانى عشر يوم مولد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وربما صحبت الإنشاد ألحان بعض الآلات الموسيقية. وكانت للبهلول-بجانب هذا الديوان النبوى- أشعار تعليمية فى فقه مذهب مالك وفى العقائد ولم تصلنا، وكانت له مقامات على نمط مقامات الحريرى سقطت-بدورها-من يد الزمن ويكفيه فخرا ومجدا هذا الديوان النبوى الذى صوّر فيه مشاعره الصوفية ومحبته المتقدة بين جوانحه لصاحب الرسالة المحمدية.
(ب) أحمد (١) بن عبد الدائم
هو أحمد بن عبد الدائم الأنصارى، ولد بطرابلس ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم واختلف إلى حلقات علمائها، وتفتحت موهبته الشعرية، وكان فقيها ومؤرخا غير أن الشعر هو الذى جذبه، وكان معاصرا لأحمد القرمانلى والى طرابلس (١١٢٣ - ١١٥٨ هـ) فأخذ يدبج فيه بعض المديح وحدث فى أثناء ولايته سنة ١١٤١ هـ/١٧٢٨ م أن قام أسطول فرنسى بمظاهرة أمام طرابلس وأرسل قبطانه إلى القرمانلى بشروط ينبغى أن يرضخ لها وإلا ضرب المدينة بقذائفه، ولم يرضخ القرمانلى ولا قبل الشروط، رافضا تهديد القبطان ووعيده، وضرب الأسطول طرابلس بقذائفه أربعة أيام طوالا، وأرسل القبطان أو قائد الاسطول الفرنسى بعدها خطابا يحث فيه القرمانلى على الصلح غير أنه صمم أن لا يستسلم، وكان الاسطول قد دمر أكثر من ثلث المدينة إذ ألقى عليها نحو ألفى قنبلة، واستنفد مالديه من القذائف، فلم يجد قائده بدا من فك الحصار عن طرابلس وعودته إلى بلاده. كل ذلك حدث والخليفة العثمانى لا يحرك ساكنا ولا يحاول الثأر لطرابلس من الفرنسيين. فنظم ابن عبد الدائم قصيدة يستثيره فيها ضدهم محاولا أن يملأه حمية وحماسة بمثل قوله فيها:
يا واحدا ما فى البسيطة مثله ... ملك الملوك بتاجه المتكلّل
أو ما يغيظك حال قلعتك التى ... فازت بفتحك فى الزمان الأوّل
إنّا لنرجو منك أخذ الثأر من ... شعب الفرنسيس اللئيم الأرذل
وكان العبدرى المغربى قد نزل طرابلس فى رحلته إلى الحج سنة ٦٨٨ ويبدو أنه أصابه حيف من بعض أهلها. فعمّ المدينة وأهلها جميعا بذم شديد ضمنه رحلته المغربية، ذمّ المغيظ المحنق، ولا نعرف الأسباب الحقيقية لهذا الذم، وردّ عليه رحّالة مغربى مواطن له زارها بعده، هو ابن عبد السلام الناصرى، إذ دافع عنها دفاعا حارا فى رحلته الحجازية الكبرى، واستشهد على
(١) انظر فى أحمد بن عبد الدائم كتاب التذكار فيمن ملك طرابلس من الأخيار لابن غلبون وأعلام ليبيا للطاهر الزاوى والمنهل العذب لأحمد النائب الأنصارى.