للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضرى (١) على أموال المسلمين ودمائهم، وجرؤ على قتل رجالهم وسبى نسائهم، وبانت له العورات، وتحققت عندهم الاختلافات، أحدّوا رحاهم (٢)، واستمدّوا من وراهم، ولم يكن للمسلمين بهم بعد يد (٣)، ولا عن إخلاء هذه الجزيرة بدّ، والله يحميها من الغير (٤)، ويكفيها سوء القدر»

ولا تقل هذه الصرخة عن سابقتها قوة، والبزليانى يهيب فيها بالمنصور الأصغر أن لا يمضى مع مجاهد فى حشد الجيوش ضد أخيهما المظفر بن الأفطس أمير بطليوس مستعينين فى قتال أهلهما المسلمين بالنصارى طامعين أن يحموا لهما حماهما وأن يحققوا لهما آمالهما ويدركوا لهما أثآرهما غير مراعين فى أهل دينهما حقا، إذ تقتل الرجال وتيتّم الأطفال وترمّل النساء وتنهب الأموال وتخلو الأوطان ويجلو السكان. والطامة الكبرى أن العدو إذا جاس خلال ديارنا وتجرّأ على نهب أموال المسلمين وعلى سفك دمائهم وقتل رجالهم وسبى نسائهم وانكشفت له فى البلاد العورات، وتحقق مما بين أمراء المسلمين من الاختلافات والمنازعات شحذ أسلحته وأدار رحى حرب طاحنة مستمدا فيها النصارى من ورائه فى أوربا، فجاءوه من كل فج، وأصبح المسلمون ولا طاقة لهم فى نزالهم ولا قدرة، واضطروا اضطرارا إلى مبارحة الجزيرة لا يلوون. وذهبت الصرختان جميعا هباء، وبدلا من أن يعيها هؤلاء الأمراء الذين عاشوا للترف وأعدوا لضياع البلاد جازاه المعتضد الباغى منهم شر الجزاء، فسفك دمه.

أبو محمد (٥) بن عبد البر

هو أبو محمد عبد الله ابن الفقيه المشهور أبى عمر بن عبد البر النمرى القرطبى، وقد عنى به أبوه، فخرجه على يده فى أجمل صورة علمية للشاب الأندلسى فى عصره، وتفتحت فيه مبكرا نزعة أدبية جعلته يؤثر على حلقات العلم والدراسة دواوين أمراء الطوائف، ويقول ابن بسام إنه «حلّ من كتاب الإقليم محل القمر من النجوم. . وتهادته الآفاق، وامتدت إليه الأعناق. . ففاز به المعتضد (أمير إشبيلية) بعد طول خصام، والتفاف


(١) ضرى: اجترأ.
(٢) الرحى هنا: رحى الحرب.
(٣) يد هنا: طاقة، قوة.
(٤) غير الدهر: أحداثه وتقلباته.
(٥) انظر فى ترجمة أبى محمد ورسائله الذخيرة ٣/ ١٢٥ وما بعدها والمغرب ٢/ ٤٠٢ والقلائد ١٨١ والصلة رقم ٦٠٦ وبغية الملتمس رقم ٩٦٥ وإعتاب الكتاب ٢٢٠ والخريدة ٢/ ١٦٦، ٣/ ٤٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>