للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن (١) مكى

هو أبو حفص عمر بن خلف بن مكى، منشؤه ومرباه وشيوخه فى صقلية وفى مقدمتهم ابن البر اللغوى، وعليه تخرج ويذكر فى مقدمة كتابه اللغوى النفيس: «تثقيف اللسان» أنه عرضه عليه فما أقرّه أبقاه وما أنكره أخلا الكتاب منه، وأدى به فقهه وعلمه إلى تولى منصب القضاء فى بلده، وقد خرج منها إلى تونس قبيل استيلاء النورمان عليها، واستوطنها وولى قضاءها وخطابة جامعها، وينقل العماد عن ابن القطاع تقديمه له بقوله: «انتقل إلى تونس، وولى قضاءها، وهو فقيه محدث، خطيب، لغوى، وفضله بالألسنة فى جميع الأمكنة مأثور مروى، وله خطب لا تقصر عن خطب ابن نباتة، تعجب رواته، ومن قوله:

يا حريصا قطع الأيّام فى ... بؤس عيش وعناء وتعب

ليس يعدوك من الرزق الذى ... قسم الله فأجمل فى الطّلب

وهو يدعو إلى القناعة والزهد والرضا بما قسمه الله للإنسان، فإن أحدا لن يصيبه ضياع، بل الكل سيكفل له رزقه، ولا داعى للعناء الشديد فى طلبه ولا للحرص أكثر مما ينبغى، فما قدّر لك سيأتيك. ويقول مذكرا بالموت داعيا إلى التقوى والعمل الصالح:

عجبا للموت ينسى ... وهو ما لا بدّ منه

كيف تنساه وقد جا ... ءتك رسل من لدنه

سوف تلقى الويل إن جئ‍ ... ت بعذر لم تبنه

وترى جسمك فى النا ... ر غدا إن لم تصنه

والذى ينجو من النا ... ر أخو التقوى فكنه

وهو يعجب لمن ينسى الموت وهو مكتوب على الإنسان، وقد جاءته رسل من لدن الله تهديه إلى الرشاد، ويقول إن من لا يستطيع أن يقدم عذرا عن سيئاته سيلقى الويل والعذاب الشديد، او من لا يصون جسمه بالعمل الصالح ستكون النار مصيره، إذ لا ينجو منها إلا أخو التقوى والعمل الصالح، وحرى بك أن تسلك مسالك التقوى والهدى، فإن فى ذلك الفوز الكبير. ويدعو إلى العزلة عن الناس والاكتفاء بأقل ما يمكن من العيش وبمصاحبة الكتب، ولا تعلق رجاءك بأحد، يقول:


(١) انظر فى ابن مكى الخريدة ١/ ١٠٦ وإنباه الرواة للقفطى ٢/ ٣٢٩ والمكتبة الصقلية ٥٩٧، ٦٤٦ وكتابه تثقيف اللسان مطبوع بالقاهرة بتحقيق الدكتور رمضان عبد التواب

<<  <  ج: ص:  >  >>