للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - الصعاليك (١)

الصعلوك فى اللغة الفقير الذى لا يملك من المال ما يعينه على أعباء الحياة، ولم تقف هذه اللفظة فى الجاهلية عند دلالتها اللغوية الخالصة، فقد أخذت تدل على من يتجردون للغارات وقطع الطرق. ويمكن أن نميز فيهم ثلاث مجموعات:

مجموعة من الخلعاء الشذاذ الذين خلعتهم قبائلهم لكثرة جرائرهم مثل حاجز الأزدى وقيس بن الحدّادية وأبى الطمحان القينى. ومجموعة من أبناء الحبشيات السود، ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بهم لعار ولادتهم مثل السّليك بن السّلكة وتأبّط شرّا والشّنفرى، وكانوا يشركون أمهاتهم فى سوادهم فسموا هم وأضرابهم باسم أغربة العرب. ومجموعة ثالثة لم تكن من الخلعاء ولا أبناء الإماء الحبشيات، غير أنها احترفت الصعلكة احترافا، وحينئذ قد تكون أفرادا مثل عروة بن الورد العبسى، وقد تكون قبيلة برمتها مثل قبيلتى هذيل وفهم اللتين كانتا تنزلان بالقرب من مكة والطائف على التوالى.

وتتردد فى أشعارهم جميعا صيحات الفقر والجوع، كما تموج أنفسهم بثورة عارمة على الأغنياء الأشحاء، ويمتازون بالشجاعة والصبر عند البأس وشدة المراس والمضاء وسرعة العدو حتى ليسمون بالعدّائين، وحتى لتضرب الأمثال بهم فى شدة العدو، فيقال: «أعدى من السّليك» و «أعدى من الشّنفرى» وتروى عنهم أقاصيص كثيرة فى هذا الجانب، من ذلك ما يقال عن تأبط شرا من أنه «كان أعدى ذى رجلين وذى ساقين وذى عينين، وكان إذا جاع لم تقم له قائمة، فكان ينظر إلى الظباء، فينتقى على نظره أسمنها، ثم يجرى خلفه، فلا يفوته، حتى يأخذه فيذبحه بسيفه، ثم يشويه فيأكله (٢)». وكما كانوا يحسنون العدو كان كثير منهم يحسن ركوب الخيل والإغارة عليها، ويقال إنه كان للسليك فرس يسمى النّحّام (٣)،


(١) راجع بحثا فى الشعراء الصعاليك ليوسف خليف (طبع دار المعارف).
(٢) الأغانى ١٨/ ٢١٠.
(٣) ذيل الأمالى للقالى ص ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>