للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللشنفرى فرس يسمى اليحموم (١)، أما اسم فرس عروة بن الورد فقرمل (٢) وكانوا يغيرون أحيانا فرادى وأحيانا فى جماعات.

وكانت أكثر المناطق التى يغيرون عليها مناطق الخصب، وكانوا يرصدون طرق القوافل التجارية وقوافل الحجاج القاصدة إلى مكة، ومعنى ذلك أنهم كانوا ينتشرون حولها فى جبال السّراة كما كانوا ينتشرون بالقرب من الطائف والمدينة وأطراف اليمن الشمالية ففى كل هذه الجهات يكثر هؤلاء الذؤبان من قطاع الطرق وقراصنة الصحراء. وهم فى أشعارهم يتغنون بمغامراتهم ونراهم فى أثناء ذلك يتمدحون بالكرم كما نرى فيهم كثيرا من البر بالأقارب والأهل، وأيضا فإننا نحس عندهم غير قليل من الترفع والشعور بالكرامة فى الحياة، ويصور لنا ذلك أبو خراش الهذلىّ فيقول (٣):

وإنى لأثوى الجوع حتى يملّنى ... فيذهب لم يدنس ثيابى ولا جرمى (٤)

وأغتبق الماء القراح فأنتهى ... إذا الزاد أمسى للمزلّج ذا طعم (٥)

أردّ شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيرى من عيالك بالطّعم

مخافة أن أحيا برغم وذلّة ... وللموت خير من حياة على رغم

فهو يفتخر لزوجه بأنه يصبر على الجوع، حتى ينكشف عنه، دون أن يلحقه فيه ضيم، وإنه ليكفيه الماء القراح بينما يتخم من حوله أشحاء النفوس بالطعام، أما هو فحتى إن وجد الطعام آثر به عياله وأولاده. وكل ذلك يصنعه حتى لا يوصم بعار الذل. وسنرى عما قليل عروة بن الورد يعبّر عن مثالية خلقية رفيعة لا تقل جمالا عن مثالية عنترة. وكأنما تحولت الصعلكة فى أواخر العصر الجاهلى إلى نظام يشبه نظام الفروسية، وهى حقا تقوم على السلب والنهب، ولكنهم كانوا لا يسلبون ولا ينهبون سيدا كريما، واقرأ فى صعاليك هذيل من مثل أبى كبير والأعلم وفى السليك وتأبط شرا وغيرهم فستجد للصعلوك مثاليته فى الحياة أو على


(١) ديوانه المطبوع فى لجنة التأليف والترجمة والنشر ص ٤٠.
(٢) ديوانه (طبع الجزائر) ص ١٢٠.
(٣) ديوان الهذليين (طبعة دار الكتب المصرية) ٢/ ١٢٧ والأغانى ٢١/ ٤٢.
(٤) أثوى: أطيل حبسه.
(٥) أغتبق: أشرب عشاء. القراح: الصافى. المزلج: البخيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>